
قفزة تاريخية في احتياطيات الذهب الإسبانية تتجاوز 100 مليار يورو
في تطور اقتصادي لافت يعكس تحولات عميقة في سياسات البنوك المركزية حول العالم، أعلنت إسبانيا عن تحقيق قفزة غير مسبوقة في حجم احتياطياتها من الذهب والنقد الأجنبي، لتتجاوز حاجز 100 مليار يورو للمرة الأولى في تاريخها، وفقًا لتقارير رسمية صادرة عن بنك إسبانيا وصحيفة الباييس الإسبانية.
الذهب يعزز مكانة إسبانيا المالية وسط اضطراب الاقتصاد العالمي
أوضح بنك إسبانيا أن الاحتياطيات الدولية للبلاد ارتفعت بنسبة 52% منذ عام 2020، في وقتٍ تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية الناتجة عن التضخم العالمي وأزمات الطاقة والحروب الإقليمية.
ويُعد هذا النمو انعكاسًا مباشرًا للسياسة النقدية المتحفظة التي تتبعها مدريد في السنوات الأخيرة، بهدف حماية اقتصادها من تقلبات الأسواق العالمية.
ويرى محللون أن هذه القفزة في احتياطيات الذهب تمنح إسبانيا درعًا ماليًا قويًا يعزز قدرتها على مواجهة الصدمات الاقتصادية. فمع ارتفاع أسعار الذهب عالميًا إلى ما يقارب 4000 دولار للأونصة وهو مستوى قياسي تاريخي أصبحت مدريد تمتلك أحد أكبر المخزونات الذهبية في منطقة اليورو، مما يعزز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الإسباني.
لماذا تتجه البنوك المركزية نحو الذهب؟
لم تعد إسبانيا وحدها في هذا المسار؛ فالعالم يشهد منذ سنوات موجة متصاعدة من شراء الذهب من قبل البنوك المركزية، على رأسها الصين وروسيا والهند وتركيا.
هذه الدول تسعى إلى تنويع احتياطياتها وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في ظل ما يعتبره البعض “تراجعًا تدريجيًا للهيمنة المالية الأمريكية”.
وبحسب بيانات مجلس الذهب العالمي، ارتفعت مشتريات البنوك المركزية من الذهب إلى أعلى مستوى لها منذ نصف قرن خلال العامين الماضيين، في وقتٍ تشهد فيه الأسواق تذبذبًا في العملات الرئيسية.
وتُعد هذه الخطوة مؤشرًا على تحول استراتيجي عالمي نحو الأصول الآمنة في مواجهة المخاطر الجيوسياسية والمالية.
الذهب الإسباني.. ملاذ آمن واستثمار استراتيجي
يرى الخبراء أن الذهب لم يعد مجرد “مخزون احتياطي” لإسبانيا، بل أصبح أداة استثمار استراتيجية تدعم استقرار الاقتصاد وتمنح الحكومة مرونة أكبر في التعامل مع الدين العام والتزاماتها الخارجية.
ومع استمرار ضعف اليورو وتراجع الطلب الصناعي في أوروبا، يمثل المعدن الأصفر صمام أمان في وجه الأزمات المحتملة.
ويشير الاقتصادي الإسباني خوان كارلوس ديل ريو إلى أن «الذهب أصبح السلاح الاقتصادي الصامت الذي تعتمد عليه الدول في فترات الاضطراب»، موضحًا أن ارتفاع الاحتياطي الإسباني «يُعد خطوة ذكية من البنك المركزي لضمان استدامة المالية العامة على المدى الطويل».
مستقبل الذهب في ظل الأزمات العالمية
يتوقع محللون استمرار الاتجاه الصعودي في أسعار الذهب خلال الأشهر المقبلة، مدفوعًا بتوترات الشرق الأوسط وتصاعد النزاعات التجارية بين القوى الكبرى، إلى جانب مخاوف الركود في الاقتصادات المتقدمة.
وفي هذا السياق، يتوقع أن يواصل بنك إسبانيا تعزيز محفظته من الذهب، في ظل إدراكه لأهمية المعدن الأصفر كأداة لتحصين الاقتصاد الوطني ضد أية أزمات مالية مستقبلية.
ومع تجاوز احتياطياته حاجز 100 مليار يورو، تدخل مدريد مرحلة جديدة من الاستقلال المالي النسبي ضمن منظومة منطقة اليورو.