
مجلس أم الشيف.. ذاكرة حية تحفظ ملامح دبي الحديثة
ليس مجرد بيت قديم تحيطه جدران بيضاء، بل محطة تاريخية تختزل ملامح المجتمع والسياسة في دبي خلال منتصف القرن الماضي.
مجلس أم الشيف، الذي بُني عام 1955 ليكون مصيفاً للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، تحوّل إلى رمز يروي قصة مدينة انتقلت من بساطة القرية إلى آفاق النهضة، واعتمده سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ضمن مشروع حماية المواقع والأبنية التراثية الحديثة في دبي.
مجلس أم الشيف في قلب التاريخ
في هذا المكان البسيط، نوقشت قضايا التجارة والغوص وصيد اللؤلؤ، واتُخذت قرارات مهمة كتوسعة الميناء وشق الطرق الأولى، ما جعله فضاءً لصناعة التحولات التي أرست قواعد المدينة العصرية.
المجلس كان شاهداً على جلسات الشيخ راشد ومشاوراته مع مستشاريه، حيث امتزجت الحكمة بالبساطة وروح القيادة القريبة من الناس.
تفاصيل معمارية تروي الحكاية
المكان يحتضن فناء رملي واسع ورواق «الليوان» الذي يطل على السماء، وغرفاً أرضية خُصصت لتخزين المؤونة والأدوات التقليدية.
وفي الطابق العلوي يقع المجلس الرئيس المفروش بالسجاد اليدوي والوسائد المطرزة، وعلى جدرانه أسلحة تقليدية تعكس قيم الحماية والكرامة.
حول البيت يمتد بستان صغير من النخيل وأشجار الليمون واللوز، تسقيه قنوات الفلج التي تجسد عبقرية الري القديمة.
ترميم يحافظ على الأصالة
عام 1994 خضع المجلس لعملية ترميم دقيقة أعادت إليه الحياة بروح الماضي، حيث استعان القائمون على المشروع بحرفيين تقليديين ومواد بناء أصلية، ليبقى المكان وفياً لذاكرته الأولى.
اليوم لا يمثل المجلس مجرد مزار سياحي، بل تجربة ثقافية يتعلم خلالها الزوار والطلاب قيم الضيافة والتواصل الاجتماعي، فيما يجده الباحثون مادة حية لدراسة العمارة التقليدية وأساليب الحياة قبل النفط.
مجلس أم الشيف.. معلم تراثي متجدد
زيارة المجلس اليوم أشبه برحلة حسية متكاملة؛ خرير المياه، حفيف النخيل، ورائحة التراب المبتلّ، كلها عناصر تجعل الزائر يعيش لحظة تواصل مباشر مع تاريخ دبي، ليبقى المجلس أرشيفاً نابضاً لذاكرة الإمارة ومعلماً يربط ماضيها بحاضرها المزدهر.