
البلاغات الكيدية أمام القضاء الإماراتي.. بين حق التقاضي والتعويض العادل
في الوقت الذي يعد فيه الحق في التقاضي ركناً أصيلاً من حقوق الأفراد التي يكفلها القانون والدستور، برزت أمام المحاكم الإماراتية قضايا أثارت جدلاً واسعاً حول حدود هذا الحق، بعد أن تحوّل في بعض الحالات إلى أداة للإضرار بالآخرين عبر بلاغات كيدية انتهت إما بالبراءة أو بحفظ الدعوى.
قضايا تكشف إساءة استعمال حق التقاضي
خلال السنوات الأخيرة، نظر القضاء المدني في دعاوى أقامها متهمون سابقون ضد أطراف وجهوا لهم اتهامات اعتبروها كاذبة، مطالبين بتعويضات عن أضرار نفسية ومادية ومعنوية لحقت بهم.
أحدهم، موظف اتهمته شركته بتزوير عقد للحصول على زيادات مالية، ليُمنع من السفر ويُحرم من وداع والدته المريضة قبل وفاتها. وبعد ثبوت كيدية البلاغ، حصل على 200 ألف درهم تعويضاً.
في المقابل، رفضت المحكمة دعاوى أخرى، مثل قضية طبيب اتهم مديريه بالكيدية بعدما برأته المحكمة الجنائية من تهمة السب والقذف، معتبرة أن مديريه لم يتعسفا في استعمال حقهما بالتقاضي.
ماذا يقول القانون الإماراتي عن البلاغات الكيدية؟
القانونيون يؤكدون أن المشرّع الإماراتي وضع ضوابط دقيقة لاستعمال حق التقاضي، بحيث لا يتحول إلى وسيلة للانتقام أو التشهير.
فالمادة (26) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي رقم 38 لسنة 2022 تُمكّن من وُجه إليه اتهام كيدي من المطالبة بالتعويض عن الأضرار، بينما تنص المادة (106) من قانون المعاملات المدنية على أن استعمال الحق مشروع ما لم يقم الدليل على التعسف.
كما يوضح المستشارون أن إساءة استعمال الحق لا تتحقق إلا في أربع حالات: إذا كان الهدف الإضرار بالغير، أو تحقيق مصلحة غير مشروعة، أو تحقيق مصلحة تافهة لا تتناسب مع حجم الضرر، أو تجاوز ما جرى به العرف والعادة.
القضاء: بين الإنصاف ورد الاعتبار
استقر القضاء الإماراتي على أن البلاغ الكاذب لا يقتصر أثره على المساءلة الجزائية، بل يمتد ليشمل التعويض المدني ورد الاعتبار للمتضرر.
فالمحاكم تملك سلطة تقدير سوء النية من عدمه، ما يفسر صدور أحكام متفاوتة بين رفض دعاوى وصدور تعويضات بمبالغ ضخمة.