
جيل الخوارزميات” على الأبواب.. معلمو الحاسوب يقودون ثورة الذكاء الاصطناعي في مدارس الإمارات
تستعد مدارس الإمارات لمرحلة تعليمية جديدة، مع إدراج الذكاء الاصطناعي كمادة دراسية رسمية ابتداءً من العام الدراسي المقبل، ما يضع معلمي الحاسوب وتقنية المعلومات أمام تحدٍّ وطني حقيقي يتمثل في إعداد جيل يمتلك المهارات اللازمة للتفاعل مع الثورة الرقمية بوعي وفهم عميق.
ويؤكد تربويون وخبراء أن المعلم في هذا السياق لم يعد مجرد ناقل للمعلومات، بل أصبح حجر الأساس في بناء عقلية طلابية قادرة على التفكير التحليلي، واستيعاب مفاهيم الذكاء الاصطناعي بشكل مبسط، من خلال مواقف حياتية وتجارب تعليمية تفاعلية.
تحول في دور المعلم
يرى التربويون أن تدريس الذكاء الاصطناعي يتطلب من معلمي الحاسوب الخروج من أدوارهم التقليدية، ليصبحوا موجّهي فضول، ومهندسي تفكير، يسهمون في ترسيخ مفاهيم التكنولوجيا الحديثة داخل أذهان الطلاب بطريقة تجمع بين التقنية والأخلاق، والمعرفة والتجريب.
المعلم، في هذا السياق، مطالب بأن يُعيد صياغة دوره في ضوء المنهج الجديد، مستنداً إلى قدرات جديدة لا تقتصر على البرمجة بل تمتد إلى تبسيط مفاهيم معقدة مثل التعلم الآلي، البيانات، الخوارزميات، والتفكير المنطقي.
مراحل إعداد شاملة
من جانبه، يشير خبير الذكاء الاصطناعي، محمد عبدالظاهر، إلى أهمية اتباع نهج تدريبي منظم يتضمن ثلاث مراحل رئيسية تبدأ بترسيخ القاعدة المعرفية، مروراً بالجانب المهاري، وصولاً إلى الدعم المستمر.
ويبدأ الإعداد بفهم المفاهيم الجوهرية للذكاء الاصطناعي، والاطلاع على تطبيقاته الحديثة مثل “ChatGPT”و”DALL·E”، إلى جانب إيلاء اهتمام خاص بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي وتأثيراته المجتمعية، لضمان تقديم محتوى متوازن يجمع بين البُعدين التقني والإنساني.
اكتساب المهارات التطبيقية
في المرحلة الثانية، يصبح التدريب العملي ضرورة لا غنى عنها، إذ يُفترض إشراك المعلمين في دورات مهنية معتمدة، إضافة إلى تنظيم ورش تطبيقية تمكّنهم من تنفيذ مشروعات صفية حقيقية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة.
ويُشدد على ضرورة دمج هذه المهارات داخل الحصص الدراسية بطرق تفاعلية تعتمد على الإبداع، بعيداً عن الطرق التقليدية، ما يعزز الفهم العملي لدى الطلبة.
منصات دعم وتعلم مستمر
أما المرحلة الأخيرة، فتتمثل في توفير بيئة داعمة تتيح للمعلمين الاستمرار في التطوير المهني، من خلال منصات رقمية ومجتمعات تعلم تفاعلية، بالإضافة إلى أدوات تقييم ومتابعة دورية لتحديد مكامن القوة والاحتياجات التدريبية المستقبلية.
مقترحات لتعزيز النجاح
وتقترح الدكتورة شيرين موسى، خبيرة في مجال الميتافرس، تعزيز التعاون مع الجامعات ومراكز الابتكار التربوي، لضمان تأهيل المعلمين بالشكل الأمثل، مع تقديم حوافز مهنية وشهادات معتمدة، وتخصيص وقت رسمي ضمن الجدول المدرسي للتدريب والتطوير المستمر.
كما تنصح بإعداد حقيبة تدريبية موحدة تراعي اختلاف المراحل العمرية للطلبة، وتدعم عملية دمج الذكاء الاصطناعي داخل الصفوف بشكل متكامل.
تجربة قابلة للعيش
من ناحيته، يرى الدكتور بسام مكاوي أن تدريس الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يُختزل في كتاب، بل يجب أن يكون تجربة حيّة داخل الفصل الدراسي، تبدأ بفهم المفاهيم وتنتهي بتطبيقات عملية، مطالباً بتمكين المعلمين وتوفير الأدوات التي تساعدهم على تقديم محتوى واقعي وملهم.
وجهات نظر من الميدان
وفي الميدان، عبّر عدد من معلمي الحاسوب عن حماستهم لهذه النقلة النوعية، مشيرين إلى ضرورة تقديم تدريب متخصص يمكنهم من تبسيط المفاهيم بطريقة واقعية خاصة للمراحل الأولى.
إبراهيم القباني، معلم من رأس الخيمة، يؤكد أن الفرصة استثنائية لصناعة تأثير حقيقي في عقول الطلبة، لكن نجاح التجربة مرهون بجاهزية المعلم.
وتشير المعلمة ريبال العطا من دبي، إلى أهمية المحتوى المرن والأمثلة المرتبطة بالحياة اليومية، بينما تدعو المعلمة حنان شرف إلى تطوير مناهج متنوعة، وتوفير مصادر باللغة العربية، وإنشاء مجتمعات رقمية للتواصل وتبادل الخبرات.
في الختام، يتفق التربويون أن التحول الرقمي الذي تقوده وزارة التربية والتعليم يمثل خطوة استراتيجية نحو مستقبل تعليمي مبتكر، شريطة تمكين المعلم أولاً، ليقود أجيال الغد نحو فضاءات المعرفة والإبداع.