قط ملوّن..ورسائل خفية: كيف يخترق الذكاء الاصطناعي وعي الأطفال
الذكاء الاصطناعي يفتح أبواباً واسعة للإبداع، لكنه في الوقت نفسه يثير مخاوف متزايدة بشأن تأثيره على الأجيال الناشئة.
فالتطور المذهل في تقنياته جعل من السهل إنتاج مشاهد رقمية تحاكي الواقع بدقة لافتة، إلى حد يصعب معه أحياناً التمييز بين الحقيقي والمزيف، الأمر الذي يستغله البعض لتمرير رسائل وسلوكيات غير مناسبة للأطفال.
وفي الآونة الأخيرة، أثارت سلسلة كرتونية تعرف باسم «القط مياو» جدلاً واسعاً على منصات التواصل، إذ لاحظ بعض الآباء أنها تحمل إيحاءات غير لائقة رغم ألوانها الزاهية وموسيقاها المرحة، ما فتح باب النقاش حول خطورة هذا النوع من المحتوى.
مختصون في التكنولوجيا والتربية والصحة النفسية يحذرون من أن المحتوى المولّد بالذكاء الاصطناعي قد يشكل بيئة خصبة لبث معلومات مضللة أو تكريس سلوكيات سلبية، خاصة لدى الأطفال الذين لم يطوروا بعد القدرة على التمييز النقدي.
وأوضح المهندس محمد الشحي، خبير البيانات، أن هذا النوع من المقاطع ينتشر بسرعة لافتة بفضل عنصر الدهشة الذي يجذب المشاهدين، وصعوبة التحقق من مصداقيتها، فضلاً عن خوارزميات المنصات التي تدعم المحتوى المثير للتفاعل.
ويرى أن مواجهة الظاهرة تتطلب تعزيز الوعي الرقمي، وتطوير أدوات كشف فعالة، ودمج التربية الإعلامية في المناهج المدرسية، حتى يتحول الذكاء الاصطناعي من تهديد محتمل إلى فرصة آمنة.
أما من الناحية النفسية، فيشير الدكتور محمد يحيى نصار إلى أن هذه المقاطع قد تساهم أحياناً في تحفيز الخيال وتعليم مفاهيم إنسانية معقدة، لكنها في المقابل قد تربك إدراك الطفل وتجعل حدود الواقع والخيال ضبابية، ما قد ينعكس في صورة مخاوف أو تصورات خاطئة عن العالم.
ويحذر من الاعتياد على مشاهد التنمر أو العدوانية، أو المقاطع التي تقدم تفاعلات «آمنة» مع حيوانات خطرة، لأن الطفل قد يقلدها دون وعي بعواقبها.
ويوصي بمرافقة الأطفال أثناء المشاهدة وشرح الفارق بين المشاهد الحقيقية والمصطنعة، مع اختيار محتوى يتناسب مع أعمارهم ويعزز القيم الإيجابية.
وتؤكد الأخصائية الاجتماعية عائشة راشد الكندي أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءاً من حياة الأطفال، حاملاً معه فرصاً تعليمية وإبداعية كبيرة، لكنه يفرض تحديات تتطلب من الأسرة دوراً يتجاوز الرقابة التقليدية إلى شراكة رقمية قائمة على الحوار والتوجيه المستمر.
فالمحتوى المصطنع بات قادراً على خداع العين والعقل، والطفل في مراحله الأولى لا يمتلك القدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم، ما يجعل من «الحصانة المعرفية» لدى الأهل خط الدفاع الأول.
وفي ظل غياب رقابة صارمة أو تصنيف عمري واضح على المنصات، تبقى مسؤولية حماية وعي الجيل الجديد مرهونة بوعي الأسرة والمجتمع، قبل أن يتحول الخيال الرقمي الجذاب إلى مصدر تشويه للواقع.