
مخاوف من عسكرة الداخل الأمريكي: نشر المارينز في لوس أنجلوس يُشعل الجدل ويهدد ثقة الشعب بالجيش
أثار قرار الإدارة الأمريكية بنشر قوات من مشاة البحرية “المارينز” والحرس الوطني في شوارع لوس أنجلوس موجة من الانتقادات والجدل، وسط تحذيرات من أن هذه الخطوة قد تُضعف العلاقة التاريخية بين الشعب الأمريكي وجيشه.
وبحسب تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، فإن تحريك القوات لمواجهة الاحتجاجات المناهضة لسياسات الرئيس دونالد ترامب بشأن الهجرة يتجاوز حدود القانون، ويهدد بإلحاق ضرر بالغ بثقة المواطنين في المؤسسة العسكرية.
من أهم ركائز العلاقة المتينة بين الأمريكيين وجيشهم، كما تشير المجلة، هو شعور المواطنين بالأمان تجاه هذه المؤسسة. فعلى مدار أكثر من قرنين، نادراً ما تم نشر الجيش الفيدرالي داخل البلاد، إلا بتفويض قانوني واضح.
والآن، تدعو فورين بوليسي الكونغرس للتدخل من أجل ضمان استمرار هذا التوازن.
وتعود جذور الحظر القانوني على نشر القوات الفيدرالية داخلياً إلى قانون “بوس كوميتاتوس” لعام 1878، الذي يقيّد استخدام الجيش في إنفاذ القانون المحلي، ولا يسمح به إلا ضمن استثناءات محددة منصوص عليها في الدستور أو بأمر مباشر من الكونغرس أو الرئيس في حال وقوع تمرد أو غزو.
وتوضح المجلة أن قوات الحرس الوطني يمكن استخدامها لحفظ النظام الداخلي إما بتوجيه من حكام الولايات أو بإذن فيدرالي، وقد يُستدعون أحياناً دون موافقة الحاكم إذا ما أعاقت سلطات الولاية تنفيذ القوانين الفيدرالية. ومن الأمثلة التاريخية، لجوء الرئيس دوايت أيزنهاور في عام 1957 إلى هذه السلطة لفرض تنفيذ حكم قضائي لصالح طلاب سود في أركنساس.
ومع ذلك، تشير المجلة إلى أن الرئيس ترامب أقدم على نشر نحو 700 من قوات المارينز في لوس أنجلوس دون سند قانوني معلن، في خطوة يرى فيها البعض محاولة لخلق مبرر قانوني لاحق عبر وصف المتظاهرين بأنهم “عصابات متمردة”، مع التهديد باتخاذ إجراءات صارمة ضد حاكم كاليفورنيا.
وتُقارن المجلة هذه التحركات بما حدث إبان تمرد الويسكي في عام 1791، حين تعامل الرئيس جورج واشنطن مع الأزمة بحكمة، واكتفى بالتفاوض قبل اللجوء للقوة، ملتزماً بدقة بالقوانين الفيدرالية، ما أكسبه دعماً شعبياً واسعاً.
على النقيض من هذا النهج التاريخي الرصين، ترى فورين بوليسي أن إدارة ترامب لم تُظهر شفافية في شرح الأساس القانوني لنشر القوات، بل اكتفت وزارة الدفاع بالتلميح إلى تفويض رئاسي عام، فيما يبدو البيت الأبيض عازماً على استخدام تفسير موسع للدستور يسمح للرئيس بحماية الممتلكات الفيدرالية وإنفاذ القوانين.
لكن حتى مع هذا التفسير، تؤكد المجلة أن دور القوات ينبغي أن يقتصر على حماية المنشآت الفيدرالية فقط، لا السيطرة على الاحتجاجات، خاصة أن ترامب نفسه صرّح بأن الوضع “تحت السيطرة التامة”، ما يُفقد أي مبرر قانوني أو واقعي لاستخدام القوة العسكرية.
وفي ختام تحليلها، دعت المجلة الكونغرس إلى التحرك العاجل للحد من استخدام الجيش في الداخل، مطالبة قادة البنتاغون والحرس الوطني بضرورة التمسك بالدستور ورفض أي انخراط سياسي غير مبرر.
كما شددت على أن استمرار نشر القوات في المدن قد يضر بالروح المعنوية داخل الجيش ويقلل من الإقبال على الانضمام إليه، فضلاً عن تهديده للعلاقة التاريخية التي تربط الشعب الأمريكي بمؤسساته العسكرية.