
تسجيل المكالمات بين حماية الحقوق ومخاوف التزييف العميق.. أين يقف المتعامل
يثير تسجيل المكالمات الهاتفية من قِبل البنوك والمؤسسات الخدمية جدلاً متزايداً بين المتعاملين، الذين يرون أن هذا الإجراء يُفرض عليهم دون خيار واضح للرفض أو القبول.
ويرى كثيرون أن إعلان “هذه المكالمة مسجلة لأغراض التدريب” لا يتيح حرية اتخاذ القرار، ويُعتبر شكلاً من أشكال الإذعان، خاصة في ظل تزايد الهواجس من تسرب تلك المكالمات أو استغلالها في تقنيات التزييف العميق للأصوات باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وفي ظل تزايد الاعتماد على القنوات الهاتفية لتقديم الخدمات، عبّر متعاملون عن رغبتهم في أن يكون لهم الحق في الموافقة أو الرفض لتسجيل المكالمات، خاصة أن تلك المكالمات قد تحتوي على بيانات شخصية أو تفاصيل مالية، ما يجعلها عُرضة للاختراق أو التلاعب.
من زاوية قانونية، يؤكد مختصون أن تسجيل المكالمات دون إعلام الطرف الآخر يعد مخالفة قانونية، إلا أن بقاء المتعامل في المكالمة بعد التنويه بالتسجيل يُعتبر قبولاً ضمنياً، وبالتالي تُعفى المؤسسة من أي تبعات قانونية محتملة، ما لم يثبت تسرب البيانات من داخلها.
وفي توضيح لمبدأ “معاملات الإذعان”، يرى بعض القانونيين أن المؤسسات الخدمية تفرض على المتعاملين القبول بالتسجيل كشرط غير قابل للنقاش، حيث إن رفض المكالمة يعني تعليق المعاملة، ما يضطر البعض إلى زيارة المقرات الرسمية لإنهاء معاملاتهم.
ويشير المستشار القانوني وائل أحمد إلى أن المؤسسات تتحمل المسؤولية الكاملة في الحفاظ على سرية التسجيلات، وأن أي انتهاك لتلك السرية، إن ثبت، يُعد مسؤولية مباشرة تقع على عاتق الجهة المسؤولة عن التسجيل.
أما على الصعيد التقني، فيوضح خبراء أن تقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على تزييف الأصوات تقابلها أنظمة متقدمة تستطيع كشف التلاعب والتفرقة بين الصوت الأصلي والمزيف، وهو ما تستخدمه المؤسسات لحماية عملائها، خاصة في القطاعات المالية.
ويؤكد راشد بني هاني، خبير تقني، أن البنوك والشركات الكبرى تُنفق مبالغ كبيرة لتأمين أنظمتها ضد الهجمات السيبرانية، حفاظاً على خصوصية بيانات المتعاملين، كما أن بعض المؤسسات تستعين بأدوات ذكاء اصطناعي متطورة لرصد أي نشاط مشبوه أو محاولة لاستخدام تسجيلات مسرّبة.
في المقابل، يرى المتعاملون، مثل محمد عبدالحميد وعلي إبراهيم ويوسف حسن، أن التسجيل يُمثل تهديداً محتملاً لخصوصيتهم، خاصة إذا ما استُخدمت تلك المكالمات لأغراض غير معلنة. ويطالبون بتوفير خيارات تتيح لهم اتخاذ قرار واضح بشأن الموافقة أو الرفض، أسوة بما يحدث في بعض الدول التي تُشدد على مبدأ الموافقة الصريحة.
وفي السياق نفسه، ترى الخبيرة المصرفية عواطف الهرمودي أن التسجيل بات ممارسة معتادة في معظم المؤسسات، بل ويوفر حماية للطرفين عند وقوع أي نزاع أو غموض في التفاصيل، مؤكدة أن البنوك والمؤسسات ملتزمة بإعلام المتعاملين قبل بدء التسجيل.
ويختتم المقال بالإشارة إلى أن تزايد الهجمات الإلكترونية والتطور المتسارع لتقنيات التزييف، قابله تطور مماثل في أدوات الحماية، ما يفرض على المؤسسات الاستثمار في أنظمة أمن سيبراني قوية لحماية البيانات، مع ضرورة إيجاد توازن يحترم حق المتعامل في الخصوصية والاختيار.