
وفاة توميئيشي موراياما رئيس وزراء اليابان الأسبق عن 101 عام.. صاحب البيان الذي غيّر تاريخ طوكيو بعد الحرب العالمية
رحيل توميئيشي موراياما.. نهاية حقبة في السياسة اليابانية
أعلنت وسائل إعلام يابانية اليوم الجمعة وفاة رئيس الوزراء الياباني الأسبق توميئيشي موراياما عن عمر ناهز 101 عام في أحد مستشفيات مقاطعة أويتا جنوب غرب اليابان، بعد صراع مع أمراض الشيخوخة.
وأكد فرع الحزب الديمقراطي الاجتماعي في أويتا نبأ الوفاة، ليطوي برحيله فصلًا مهمًا من تاريخ السياسة اليابانية الحديثة.
يُعد موراياما من أبرز الشخصيات السياسية التي تركت بصمة واضحة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ استطاع خلال فترة قصيرة في الحكم أن يعيد رسم ملامح الدور السياسي والأخلاقي لليابان على الساحة الدولية.
توميئيشي موراياما.. أول رئيس وزراء اشتراكي يقود تحالفاً تاريخياً
تولى موراياما رئاسة الحكومة في يونيو 1994، ليصبح أول رئيس وزراء اشتراكي في اليابان منذ أكثر من خمسة عقود، في وقت كانت فيه البلاد تعاني من اضطرابات سياسية واقتصادية متتالية.
قاد موراياما تحالفاً غير مسبوق ضم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي سابقًا) والحزب الليبرالي الديمقراطي المحافظ، إلى جانب حزب “ساكيجاكي” المنشق عن الحزب الحاكم. وقد مثل هذا التحالف سابقة فريدة في التاريخ الياباني، جمعت بين أطياف سياسية متناقضة من أجل تحقيق الاستقرار الوطني.
بيان موراياما 1995.. اعتذار تاريخي غيّر نظرة العالم إلى اليابان
يُعرف موراياما عالميًا بـ “بيان موراياما” الذي أصدره عام 1995 بمناسبة مرور 50 عامًا على نهاية الحرب العالمية الثانية.
في هذا البيان، قدّم اعتذارًا رسميًا وصريحًا عن الأضرار والمعاناة التي تسببت بها اليابان خلال توسعها العسكري واحتلالها لدول آسيوية في النصف الأول من القرن العشرين.
كان هذا الموقف غير مسبوق في السياسة اليابانية، حيث واجه معارضة داخلية شديدة من التيارات القومية والمحافظة. ومع ذلك، ظل البيان يُعتبر مرجعًا أخلاقيًا حتى اليوم، وتبنّته الحكومات المتعاقبة كأساس لعلاقات اليابان الخارجية، خاصة مع كوريا الجنوبية والصين.
قيادة في أوقات الأزمات: من زلزال هانشين إلى هجوم السارين
واجه موراياما خلال فترة حكمه القصيرة سلسلة من الكوارث والأحداث الصادمة. ففي عام 1995، ضرب زلزال هانشين المدمر مدينة كوبي، ما تسبب في مقتل أكثر من 6 آلاف شخص. وقد تعرضت حكومته حينها لانتقادات بسبب بطء الاستجابة الأولية، لكنه سعى لاحقًا إلى تعزيز منظومة إدارة الكوارث في اليابان.
وفي العام نفسه، شهدت البلاد هجوم غاز السارين الإرهابي في مترو طوكيو، الذي نفذته جماعة “أوم شنريكيو”، وأسفر عن مقتل 13 شخصًا وإصابة الآلاف. تعامل موراياما مع الحادثة بحزم، معيدًا الثقة في مؤسسات الأمن والعدالة.
إرث إنساني وسعي دائم نحو السلام
لم تقتصر إنجازات موراياما على الجانب السياسي فحسب، بل امتدت إلى القضايا الإنسانية والبيئية. فقد دعم مشروع معالجة كارثة الزئبق في ميناماتا، وأطلق مبادرة تأسيس “صندوق نساء آسيا” الذي هدف إلى تعويض ضحايا الاستعباد الجنسي من النساء خلال الحرب العالمية الثانية.
وبعد تقاعده من العمل السياسي عام 2000، كرّس موراياما حياته لنشر ثقافة السلام وتحسين العلاقات بين اليابان وجيرانها، ولا سيما كوريا الشمالية، داعيًا إلى الحوار بدلاً من المواجهة.
وفاة توميئيشي موراياما.. إرث لا يُنسى في تاريخ اليابان
برحيل توميئيشي موراياما، تفقد اليابان أحد آخر رموز جيل ما بعد الحرب، الذي آمن بأن على بلاده مسؤولية أخلاقية تجاه الماضي، ورسالة إنسانية نحو المستقبل.
ترك موراياما خلفه إرثًا من السياسة المتصالحة والقيادة المتواضعة، جعلته شخصية يحترمها الشعب الياباني حتى اليوم.
ولا يزال بيان موراياما 1995 حجر الزاوية في سياسة اليابان الخارجية، ورسالة مفتوحة إلى العالم بأن الاعتراف بالماضي هو الطريق إلى بناء مستقبل أكثر سلامًا واستقرارًا.