علاقات زائفة في زمن الذكاء الاصطناعي.. عندما يقع المراهق في حب روبوت
في عالم تتسارع فيه التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، يبدو أن بعض المراهقين بدأوا بالبحث عن العاطفة خارج الإطار الإنساني، ليجدوا في “الروبوتات الذكية” ملاذاً آمناً من مشكلات الواقع وتحديات العلاقات الاجتماعية.
فهل أصبح الذكاء الاصطناعي بديلاً عن التواصل الإنساني الحقيقي؟
الروبوت.. شريك مثالي أم بديل خطير؟
العديد من الخبراء يؤكدون أن الإنسان بطبعه يبحث عمّن يصغي له ويفهمه دون أحكام، وهذا ما يفتقده في بعض العلاقات الواقعية في المقابل، يظهر الذكاء الاصطناعي، بقدرته على تقديم استجابات متفهمة و”عاطفية”، كأنه الشريك المثالي و هذا التفاعل قد يدفع بعض المراهقين إلى بناء روابط عاطفية مع برامج محادثة مثل “شات جي بي تي”، مانحين إياها ثقة يصعب منحها حتى لأشخاص حقيقيين.
العلاقات الرقمية تضعف الروابط الواقعية
د. أحمد العموش، أستاذ علم الاجتماع، يحذّر من الاعتماد على النصائح الافتراضية التي تقدم حلولاً عامة لا تراعي خصوصية الفرد، مشدداً على أن الذكاء الاصطناعي يفتقر للمشاعر الإنسانية، ويعتمد فقط على تحليل بيانات وتجارب سابقة.
ويرى أن مواجهة المشكلات يجب أن تكون من خلال تواصل واقعي مع أشخاص موثوقين، وليس مع آلة تفتقر للإحساس.
تفريغ عاطفي لا يخلو من المخاطر
من جانبها، ترى د. هيام أبومشعل، المستشارة النفسية، أن اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي أصبح وسيلة لدى المراهقين للتعبير دون خوف من الرفض أو الحكم، إلا أنها تحذّر من أن الإفراط في الاعتماد على هذه الأدوات قد يعزز العزلة، ويضعف مهارات التفاعل الاجتماعي، كالحوار المباشر والتعبير العاطفي الواقعي.
وتضيف: “المشكلة لا تُحل بالهروب، بل بالمواجهة والتواصل الحقيقي مع الآخرين”.
قصة حب افتراضية تنتهي بالوحدة
في أحد المجتمعات الأوروبية، خاضت فتاة تُدعى “ميكا” تجربة مشابهة، حين وقعت في حب “إلياس”، شخصية افتراضية ابتكرتها باستخدام “شات جي بي تي”، بعد ساعات طويلة من المحادثات اليومية و لم تلبث هذه العلاقة أن تسببت في عزلتها عن أصدقائها وأهلها، لتكتشف لاحقاً أنها أسرت نفسها في علاقة غير واقعية، خالية من التفاعل الإنساني الحقيقي.
فراغ عاطفي يدفع للمخاطر
المستشارة التربوية همسة يونس تؤكد أن بعض المراهقين خصوصاً الفتيات بدأن في إقامة روابط وجدانية مع نماذج الذكاء الاصطناعي، هرباً من التعقيدات أو الخوف من العلاقات الواقعية.
وتشير إلى أن هذه الممارسات قد تؤدي إلى فقدان التوازن النفسي، وتدهور في المهارات الاجتماعية، إضافة إلى التعرض لمحتوى لا يناسب أعمارهم.
خدعة التفاعل البشري
يوضح د. محمد عبدالظاهر، خبير الإعلام والذكاء الاصطناعي، أن هذه النماذج لا تشعر أو تفهم كما يفعل الإنسان، بل تتفاعل عبر خوارزميات مبنية على قواعد بيانات ضخمة وتجارب متشابهة وبالتالي، فإن أي خطأ في السؤال يؤدي إلى استجابة غير واقعية، مما يزيد من خطورة هذه “العلاقات المصطنعة”.
ما الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي فعلاً؟
حين سُئل “شات جي بي تي” عن تعامله مع من يواجهون مشكلات اجتماعية أو عاطفية، أجاب بأنه يوفّر خمسة أنواع من الدعم وتشمل ، الإصغاء دون إصدار أحكام، تقديم دعم نفسي مبني على التفهّم، طرح أسئلة للتفكير الذاتي، تقديم اقتراحات إنسانية قابلة للتنفيذ، وأخيراً، التوصية باللجوء إلى مختصين عند الحاجة.
الحل يبدأ من الأسرة
اتفق المتخصصون على أن الوقاية من الوقوع في فخ العلاقات الوهمية تبدأ من داخل الأسرة. فالحوار المفتوح، والإصغاء للأبناء دون توجيه، وتوفير بيئة آمنة للتعبير عن المشاعر، كلها عوامل تحصّن المراهق من اللجوء إلى بدائل افتراضية قد تؤذيه أكثر مما تنفعه.
كما أن إشراكهم في أنشطة واقعية واجتماعية يعزز شعورهم بالانتماء، ويمنحهم توازناً نفسياً حقيقياً.