
مديرة صندوق النقد الدولي تدعو مجموعة العشرين للتحرك العاجل لإنقاذ الدول النامية من أزمة الديون
في وقتٍ تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية على الأسواق الصاعدة والدول منخفضة الدخل، دعت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، قادة مجموعة العشرين (G20) إلى اتخاذ خطوات جادة وعملية لمعالجة أزمة الديون العالمية التي تهدد الاستقرار الاقتصادي في عدد متزايد من الدول النامية.
أزمة ديون عالمية تهدد النمو في الدول النامية
خلال كلمتها في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي بواشنطن، أكدت جورجيفا أن الديون المرتفعة أصبحت أحد أبرز المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أن عشرات الدول النامية تعاني من ديون تفوق قدراتها على السداد، ما يجعلها في دائرة الخطر المالي، ويقوّض قدرتها على الاستثمار في الصحة والتعليم والبنية التحتية.
وقالت جورجيفا: “النمو العالمي بطيء، والديون مرتفعة، والمخاطر المالية تتزايد. يجب أن يتحرك العالم بشكل جماعي لمعالجة جذور الأزمة وليس فقط أعراضها.”
وأضافت أن صندوق النقد الدولي يواصل العمل مع البنك الدولي وشركائهما الدوليين على دراسة أوضاع الدول التي تواجه ضغوطاً في السيولة، بهدف توفير حلول مستدامة تُمكّنها من استعادة التوازن المالي دون اللجوء إلى تقليص الإنفاق الحيوي على الخدمات العامة.
الرسوم الجمركية الأمريكية وتأثيرها على الأسواق الناشئة
وفي حديثها عن التوترات التجارية العالمية، أوضحت جورجيفا أن تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة كان أقل حدة من التوقعات، لكنها شددت على أن استمرار حالة عدم اليقين في السياسة التجارية الأمريكية قد يبطئ التعافي الاقتصادي العالمي، خصوصاً في الأسواق الناشئة التي تعتمد على التجارة كمحرك رئيسي للنمو.
وأشارت إلى أن الوضع الحالي يفرض على الاقتصادات الكبرى، وفي مقدمتها دول مجموعة العشرين، مسؤولية مضاعفة لدعم الاستقرار المالي العالمي، من خلال سياسات مالية ونقدية أكثر تنسيقاً، وتقديم الدعم الفني والمالي للدول المتعثرة.
صندوق النقد يضغط لإعادة هيكلة الديون
كشفت جورجيفا أن الصندوق يعمل على تفعيل آليات جديدة لإعادة هيكلة الديون، بالتعاون مع الدول الدائنة الكبرى والمؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك الصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي.
وأوضحت أن الهدف هو ضمان أن تتحمل جميع الأطراف سواء كانت حكومات أو مؤسسات خاصة نصيبها العادل من المسؤولية في تسوية أزمة الديون.
وقالت المديرة العامة:”نحتاج إلى حلول واقعية توازن بين حماية النمو الاقتصادي وضمان استدامة الديون. لا يمكن للدول أن تبني مستقبلها وهي غارقة في الفوائد والتزامات السداد.”
الأرقام تكشف عمق الأزمة
وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، ارتفع إجمالي الدين العام في الدول النامية إلى نحو 100% من ناتجها المحلي الإجمالي في المتوسط، مقارنة بـ60% فقط قبل عقد من الزمن. ويواجه أكثر من 60 بلداً منخفض الدخل خطر التعثر في السداد، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وضعف العملات المحلية أمام الدولار.
هذه الأرقام بحسب خبراء الاقتصاد تُظهر أن العالم يتجه نحو أزمة ديون جديدة تشبه في ملامحها أزمة الثمانينيات، لكن بمخاطر أكبر بسبب الترابط المالي العالمي.
مجموعة العشرين في دائرة المسؤولية
وحثت جورجيفا قادة مجموعة العشرين، الذين سيجتمعون في نوفمبر المقبل في البرازيل، على تبنّي خطة دولية شاملة لإدارة الديون تشمل شفافية أكبر في العقود، وجدولة جديدة للمديونيات، ودعم الدول التي تلتزم بإصلاحات اقتصادية حقيقية.
وأكدت أن معالجة الأزمة لا تقتصر على تخفيف عبء الديون فقط، بل يجب أن تترافق مع استثمارات في التنمية المستدامة والتحول الأخضر والرقمنة، وهي المجالات التي يمكن أن تخلق نمواً طويل الأمد في الاقتصادات الضعيفة.
التحرك الجماعي هو الحل
واختتمت جورجيفا كلمتها بالتأكيد على أن حل أزمة الديون العالمية مسؤولية مشتركة بين المقرضين والمقترضين، مضيفة: “العالم اليوم أمام خيارين: إما أن نتحرك معاً لبناء نظام مالي أكثر عدلاً واستدامة، أو نترك الدول النامية تواجه مصيرها وحدها في مواجهة العجز والفقر والتضخم.”