
الاحتيال في خدمات الهجرة: شركات تبيع الأوهام بجوازات سفر وإقامات مزيفة في الإمارات
شركات الهجرة الوهمية تستغل حلم السفر وتوقع ضحاياها في فخ الاحتيال
في وقت تتزايد فيه رغبة الكثيرين بالهجرة إلى أوروبا أو كندا بحثاً عن فرص أفضل، كشفت عدة قضايا أمام محاكم الدولة عن انتشار شركات احتيالية متخصصة في خدمات الهجرة والإقامة تستغل هذا الحلم لتنهب مدخرات الناس بعروض مزيفة ووثائق مزورة، من بينها وعود بالحصول على جوازات سفر أوروبية أو تأشيرات مضمونة مقابل مبالغ مالية ضخمة.
تبدأ القصة عادة بإعلانات مغرية على مواقع التواصل الاجتماعي تُروّج لعروض “مضمونة” لا تتطلب سوى دفع مبلغ بسيط مقارنة بالامتيازات المعروضة، ثم تتطور إلى اجتماعات فاخرة في مكاتب أنيقة، تُستخدم لإقناع الضحية بجدّية الصفقة.
وبمجرد توقيع العقود وسداد المبالغ، يختفي الوعود وتبدأ الحجج والمماطلات حتى تتكشف الحقيقة المرة.
قصص ضحايا وقعوا في فخ جوازات السفر المزيفة
(م.أ)، أحد المتعاملين مع شركة من هذا النوع، قال إنه رأى إعلاناً يعد بالحصول على جواز سفر أوروبي مقابل 40 ألف يورو، فظنها فرصة العمر.
وبعد حضوره لمقر الشركة وانبهاره بالفخامة وعدد الموظفين، وافق على العرض. لكنه اكتشف لاحقاً، بعد بحثه على الإنترنت، أن الدولة التي زُعم أنها تمنح الجواز لا تتيح أي برامج من هذا النوع، ليتبين له أن الشركة تمارس نصباً منظماً وتتعمد خداع الباحثين عن الهجرة.
وفي واقعة أخرى، لجأت (ع.م) إلى القضاء بعد أن دفعت أكثر من 26 ألف درهم لشركة وعدتها بتأشيرة عمل في الخارج.
ورغم تقديمها كل المستندات المطلوبة واجتيازها اختبار اللغة (IELTS)، فوجئت بعقد عمل وهمي ووظيفة غير حقيقية، قبل أن تكتشف أن الشركة كانت تستغل ثغرات في العقود للتهرب من التزاماتها المالية.
أما (م.ب.أ)، فخسر 27 ألف درهم بعد أن وعدته شركة بالسفر عبر برنامج هجرة خاص، لكنه اكتشف لاحقاً أن رخصتها التجارية غير مجددة، وأنها لم تكن مؤهلة أصلاً لتنفيذ المعاملة، فأنصفه القضاء وألزم الشركة برد أمواله.
قضية أخرى أكثر خطورة كشفت عن تزوير جوازات سفر أوروبية بالكامل. إذ تعاقد أحد الأشخاص مع وسيط ادعى أنه ممثل رسمي لدولة جزيرية أوروبية، مقابل مبلغ تجاوز 348 ألف درهم.
وبالفعل تسلّم جوازاً وبطاقة هوية وشهادات بنكية، ليتبين لاحقاً أن جميعها مزوّرة. تم القبض على المحتال وإحالته للمحكمة التي حكمت عليه بالحبس ستة أشهر والغرامة ورد الأموال للمجني عليه.
رأي قانوني: «الحلم المشروع لا يبرر التسرّع»
المستشار القانوني محمد نجيب أوضح أن هذه القضايا تكشف جانباً خطيراً من سوق الهجرة المزيفة، مشيراً إلى أن بعض الشركات تُعطي انطباعاً مضللاً بأن خدماتها “مضمونة”، مما يجعل العميل يغفل عن التدقيق في تفاصيل العقد أو التحقق من تراخيص الشركة.
وأضاف أن كثيراً من الضحايا يخلطون بين النزاع المدني والقضية الجنائية، إذ إن أغلب القضايا تتعلق بإخلال تعاقدي، لا نصب مباشر، إلا إذا اقترن الفعل بتزوير مستندات رسمية.
وأكد أن المحاكم تميل إلى اعتبار العلاقة بين العميل والشركة “التزاماً ببذل العناية” وليس “التزاماً بتحقيق نتيجة”، لأن قرار منح الجنسية أو الإقامة يخضع لقوانين دول أخرى لا تملك الشركة سلطة عليها.
دعوة للتوعية والرقابة على شركات خدمات الهجرة
مع ازدياد حالات الاحتيال في الهجرة والإقامات المزيفة، دعا الخبراء إلى تشديد الرقابة على الشركات التي تقدم هذه الخدمات، والتأكد من تراخيصها عبر الجهات الرسمية، مثل وزارة الموارد البشرية والدوائر الاقتصادية المحلية.
كما شددوا على ضرورة أن يتحقق المتعامل من بنود العقد وحقوق الاسترجاع المالي في حال فشل المعاملة، وعدم الانخداع بالعروض “المضمونة” أو المقابلات الفاخرة.
وأكد المحكم محمد نجيب أن هناك بالفعل شركات قانونية وموثوقة تقدم استشارات حقيقية، لكن الخطر يكمن في الجهات التي تستغل أحلام الناس لتحقيق أرباح سريعة.
وختم قائلاً: “الحلم بالسفر مشروع، لكن الطريق إليه يجب أن يمر عبر القنوات القانونية فقط، لا عبر إعلانات براقة تنتهي بسرقة الأمل والمال معاً.”