
إنتاج الغذاء يهدد مناخ الأرض ويتسبب في ثلث انبعاثات الاحتباس الحراري
في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو خفض انبعاثات الكربون الناتجة عن الوقود الأحفوري، يحذر العلماء من خطر آخر لا يقل خطورة: إنتاج الغذاء، الذي أصبح أحد أكبر مسببات الاحتباس الحراري العالمي.
أزمة غذائية تُهدد استقرار المناخ
وفقاً لتقرير جديد صادر عن لجنة “إيت لانسيت” التي تضم أكثر من 70 عالماً دولياً، فإن الأنظمة الغذائية الحالية مسؤولة عن نحو ثلث الانبعاثات الحرارية العالمية، ما يجعلها عاملاً حاسماً في ارتفاع حرارة الكوكب.
ويحذر التقرير من أن توقف استخدام الفحم والنفط والغاز وحده لن يكون كافياً لإنقاذ الأرض من تجاوز حد 1.5 درجة مئوية، طالما بقيت ممارسات إنتاج الغذاء على حالها.
وتشير البيانات إلى أن الماشية وحدها تنتج كميات هائلة من غاز الميثان، بينما يؤدي التوسع في الزراعة الصناعية إلى قطع الغابات وتدهور الأراضي وفقدان التنوع البيولوجي، ما يجعل نظام الغذاء العالمي أحد أكبر التحديات البيئية المعاصرة.
النظام الغذائي الصحي العالمي.. حل بيئي وإنساني
يطرح العلماء نموذجاً جديداً تحت مسمى “النظام الغذائي الصحي العالمي”، وهو نهج يعتمد على زيادة استهلاك الفواكه والخضراوات والبقوليات والمكسرات، مقابل تقليل اللحوم الحمراء والمصنعة.
ويُتوقع أن يساهم هذا التحول في خفض انبعاثات الغذاء بأكثر من 50%، كما يمكن أن يمنع 15 مليون وفاة مبكرة سنوياً، بحسب تقديرات اللجنة.
العالم السويدي يوهان روكستروم، المشارك في إعداد التقرير، وصف النتائج بأنها “صادمة”، مؤكداً أن الغذاء يمكن أن يكون “الخطر الأكبر والأمل الأكبر في الوقت نفسه”، مشيراً إلى إمكانية إنقاذ الكوكب عبر تغيير أنماط الأكل والزراعة.
أوروبا تتراجع عن وعودها الخضراء
ورغم أن أوروبا كانت سبّاقة في تبنّي استراتيجية “من المزرعة إلى المائدة” ضمن الصفقة الخضراء عام 2020، إلا أن الضغوط السياسية واحتجاجات المزارعين والحرب في أوكرانيا دفعتها إلى التراجع عن أهم بنود الإصلاح الزراعي، مثل تقليل استخدام المبيدات والأسمدة وتوسيع الزراعة العضوية.
ويرى خبراء البيئة أن هذا التراجع سيُعمّق الفجوة بين الطموح والواقع، خاصة وأن القارة الأوروبية نفسها تتحمل نسبة كبيرة من الضرر البيئي الناتج عن أنظمة الغذاء، إذ إن أغنى 30% من سكان العالم يولدون أكثر من 70% من الأضرار المناخية المرتبطة بالإنتاج الغذائي.
مستقبل الغذاء بين الخطر والأمل
من جانبه، شدد عالم الأوبئة في جامعة “هارفارد”، والتر ويليت، على ضرورة أن تتكيف الأنظمة الغذائية مع الثقافات المحلية دون فرض نمط واحد، موضحاً أن الاتجاه العام يجب أن يكون نحو “المزيد من النباتات، وأقل من اللحوم والسكر”.
ويؤكد التقرير أن التحول نحو أنظمة غذاء مستدامة يمكن أن يولّد فوائد صحية وبيئية تقدر بنحو 5 تريليونات دولار سنوياً، إذا ما تم تبني سياسات حقيقية لإصلاح قطاع الزراعة والحد من الهدر الغذائي.
وتختتم اللجنة تقريرها بالتأكيد على أن الغذاء ليس عبئاً بل فرصة، قائلة على لسان الرئيسة المشاركة شاكونتالا ثيلستيد: “الغذاء هو جوهر رفاهية الإنسان وصحة الكوكب، وعلينا أن نضمن حق الجميع في غذاء صحي وبيئة آمنة”.