اخبار العالم

الأزمة السياسية في فرنسا تهدد استقرار منطقة اليورو وتضعف نفوذ باريس الأوروبي

طتعيش فرنسا مرحلة دقيقة من عدم الاستقرار السياسي، وسط مخاوف متصاعدة في الاتحاد الأوروبي من أن تؤدي الأزمة الحكومية المستمرة في باريس إلى تداعيات اقتصادية واسعة على منطقة اليورو، في وقت تواجه فيه القارة الأوروبية تحديات غير مسبوقة تشمل الحرب في أوكرانيا، وصعود التيارات الشعبوية، وتزايد الضغوط التجارية مع الولايات المتحدة.

حكومة ماكرون على حافة الانهيار

تفاقمت الأزمة في فرنسا بعد انهيار حكومة رئيس الوزراء الجديد سيباستيان ليكورنو بعد ساعات فقط من تشكيلها، ما دفع الأسواق إلى رد فعل سريع تمثل في تراجع الأسهم الفرنسية وانخفاض مؤشر “كاك 40” بنسبة 1.4%، وهبوط اليورو أمام الدولار.

هذا الانهيار يأتي ليعمّق مأزق الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يواجه صعوبة في تمرير سياسات كبح الإنفاق والعجز المالي، وسط رفض برلماني متزايد وصعود قوي لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان.

تهديد مباشر لمنطقة اليورو

مسؤولون ودبلوماسيون أوروبيون حذروا من أن استمرار الاضطرابات في باريس قد ينعكس سلباً على الاقتصاد الأوروبي ككل، باعتبار فرنسا ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا، وركيزة أساسية في “محرك أوروبا” السياسي والاقتصادي.

وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إن «فرنسا أكبر من أن تُفشل نفسها، لكن استمرار الاضطراب السياسي فيها يهدد استقرار منطقة اليورو بأكملها»، مؤكداً أن الموضوع أصبح محور النقاش في عواصم أوروبا.

وتتزامن هذه الأزمة مع أوضاع حساسة داخل الاتحاد، حيث تحاول بروكسل الحفاظ على توازن اقتصادي هش في ظل تباطؤ النمو، وارتفاع الديون العامة في بعض الدول، وتزايد التحديات الخارجية مع روسيا والصين والولايات المتحدة.

تراجع الدور الفرنسي في أوروبا

يرى محللون أن ماكرون، الذي كان يوصف قبل أعوام بأنه القائد الأوروبي الأكثر طموحاً وإصلاحاً، أصبح اليوم في موقع دفاعي، بعد أن تراجع تأثيره في بروكسل، وضعفت قدرته على قيادة النقاشات داخل الاتحاد الأوروبي حول ملفات كبرى مثل ميزانية الاتحاد، وسياسات الدفاع المشتركة، وأمن الطاقة.

وقال خبير العلاقات الأوروبية في مركز “تشاتام هاوس” بلندن، غريغوار روس، إن «الاستثمار في فرنسا لم يعد خياراً جذاباً للمستثمرين الدوليين بسبب الغموض السياسي»، مضيفاً أن ماكرون بنى خلال ثماني سنوات صورة لفرنسا كوجهة آمنة للأعمال، لكن الأوضاع الراهنة تهدد هذا الإرث.

صعود اليمين وتأثيره على الاتحاد الأوروبي

تُظهر استطلاعات الرأي تقدماً كبيراً لليمين المتطرف في فرنسا، ما يثير قلق مؤسسات الاتحاد الأوروبي من احتمال تغيير موازين القوة داخل القارة إذا ما تولت مارين لوبان الحكم أو حققت مكاسب انتخابية كبيرة.

فصعودها قد يعيد رسم خريطة التحالفات داخل أوروبا، ويُضعف الموقف الموحد تجاه ملفات مثل أوكرانيا والعلاقات مع واشنطن.

ويحذر مراقبون من أن الانتخابات المبكرة المحتملة في فرنسا قد تفتح الباب أمام اضطرابات سياسية إضافية تمتد آثارها إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي طويلة الأجل، ما قد يؤجل الاتفاقات المالية الحيوية قبل عام 2027، موعد انتهاء ولاية ماكرون الرئاسية.

مستقبل غير واضح لقيادة فرنسا

ورغم أن ماكرون لم يُبدِ أي نية للاستقالة حتى الآن، فإن نفوذه في دوائر الاتحاد الأوروبي تراجع بشكل ملحوظ. ووفقاً لتقارير أوروبية، بدأ بعض الدبلوماسيين في بروكسل يتحدثون عن “نعي سياسي مبكر” للرئيس الفرنسي، الذي كان يوماً من أبرز دعاة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي وتعزيز القوة الدفاعية للقارة.

وفي ظل هذه الأجواء، تتجه الأنظار إلى الشراكة الفرنسية الألمانية التي طالما شكلت المحرك الأساسي للاتحاد الأوروبي. غير أن حالة الارتباك في باريس، إلى جانب التغييرات في القيادة الألمانية، تجعل من الصعب على هذا المحور استعادة دوره في وقت تواجه فيه أوروبا تحديات مصيرية من الشرق والغرب.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى