
الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.. مؤسس دبي الحديثة وصانع نهضتها العالمية
في السابع من أكتوبر، تستعيد دبي والإمارات ذكرى رحيل القائد المؤسس الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، الرجل الذي لم ينتظر المستقبل بل صنعه بيديه.
فقد استطاع أن يحوّل إمارة صغيرة على ضفاف الخور إلى واحدة من أكثر المدن تأثيرًا وابتكارًا في العالم، لتصبح دبي اليوم نموذجًا عالميًا في التنمية، والاقتصاد، والتخطيط الحضري.
الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ورؤية بناء دبي الحديثة
ولد الشيخ راشد في حي الشندغة في بدايات القرن العشرين، ونشأ وسط بيئة تجارية بسيطة لكنها حافلة بالطموح. منذ شبابه، امتلك نظرة بعيدة المدى جعلته يدرك أن ثروة دبي الحقيقية ليست في مواردها الطبيعية، بل في موقعها الاستراتيجي وعقول أبنائها.
ومع تراجع تجارة اللؤلؤ والأزمات التي مرت بها المنطقة، بدأ الشيخ راشد مشوار التحول، واضعًا أسس دبي الحديثة عبر مشاريع جريئة غيرت مسار التاريخ الاقتصادي للإمارة.
مشاريع خالدة ترسخ اسم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم
في عام 1959، أطلق الشيخ راشد مشروع تعميق خور دبي رغم قلة الموارد، ليصبح الميناء قادراً على استقبال السفن الكبرى. لم يكن ذلك مجرد تطوير هندسي، بل إعلانًا بأن دبي قادرة على المنافسة في التجارة العالمية.
ثم جاء ميناء راشد عام 1972 كأول ميناء حديث في المنطقة، وتلاه ميناء جبل علي عام 1979، الذي وُصف حينها بأنه مشروع يفوق الخيال، لكنه أثبت لاحقًا أنه أحد أهم إنجازات القرن في مجال التجارة والنقل البحري.
كما أسس الشيخ راشد مطار دبي الدولي عام 1959، ليبدأ فصلًا جديدًا من الانفتاح على العالم، وجعل من دبي مركزًا جويًا يربط الشرق بالغرب.
الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وبداية الاقتصاد المتنوع
كان الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم يؤمن أن النفط ليس ضمان المستقبل، فعمل على تنويع الاقتصاد منذ البداية. أسس بلدية دبي (1961)، وبنك دبي الوطني (1963)، ومركز دبي التجاري العالمي (1978) كأول ناطحة سحاب في المنطقة، ليؤكد أن التنمية ليست في الارتفاعات فقط، بل في الرؤية والتخطيط.
وبفضل حكمته في الإدارة، رسخ مبدأ “كل درهم له قيمة كبرى”، فكان يحرص على توجيه الموارد نحو المشاريع الإنتاجية التي تخدم الإنسان أولاً، وتحقق الاستدامة على المدى الطويل.
الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم شريك زايد في تأسيس الاتحاد
امتد تأثير الشيخ راشد إلى ما هو أبعد من حدود دبي، فكان شريكًا أساسيًا في بناء دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله.
تولى الشيخ راشد منصب نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء، وأسهم في تأسيس ركائز الاتحاد، مؤكدًا أن وحدة الهدف هي أساس قوة الإمارات وازدهارها.
إرث الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الإنساني والتنفيذي
لم يكن الشيخ راشد قائداً من خلف المكاتب، بل كان قريبًا من الناس، يفتح مجلسه في قصر زعبيل ليستمع إلى المواطنين ويشاركهم همومهم. عُرف بكرمه وعدله وإنسانيته، فغرس في المجتمع ثقافة العمل والصدق والانضباط.
كما آمن بأن بناء الإنسان لا يقل أهمية عن بناء الميناء أو المطار، فدعم التعليم والصحة منذ البدايات، وأسس المدارس والمستشفيات الأولى في الإمارة، لتكون التنمية شاملة للجميع.
الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.. إرث خالد في قلب دبي
رحل الشيخ راشد في 7 أكتوبر 1990 عن عمر ناهز 78 عامًا، بعد أن ترك إرثًا عمرانيًا واقتصاديًا واجتماعيًا لا يضاهى.
اليوم، لا يمكن المرور في دبي دون أن تلمح بصمته في كل شارع وجسر وميناء. فكل حجر فيها يروي قصة قائد رأى المستقبل قبل أن يراه الآخرون، وصنع من دبي مدينة تتحدث لغات العالم.