
حين يُساء فهم الذكاء: اضطراب فرط الحركة بين المعاناة الصامتة وفرص الإنقاذ المتأخر
كشف خبيران في الطب النفسي والاجتماعي عن الأثر العميق لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، الذي كثيراً ما يُساء تفسير أعراضه الصاخبة على أنها دلال مفرط أو سوء تربية.
ورغم وضوح المؤشرات السلوكية، إلا أن التأخر في تشخيص هذا الاضطراب يؤدي إلى سلسلة من المشكلات النفسية والاجتماعية والمهنية قد تستمر لسنوات.
تشخيص متأخر وتداعيات ممتدة
الدكتور معاذ الزرعوني، استشاري الطب النفسي الحاصل على الزمالة الكندية في اضطراب ADHD، يوضح أن هذا الاضطراب يُعد من الاضطرابات العصبية النمائية المزمنة التي تبدأ في الطفولة وقد ترافق الفرد مدى حياته.
ويؤكد أن 5 إلى 7% من الأطفال يُصابون به، ويستمر لدى 2.5 إلى 4% منهم بعد سن البلوغ، مشدداً على أهمية التشخيص المبكر لتفادي تراكم التحديات.
أعراض تتخفى وراء قناع المجتمع
يوضح الزرعوني أن سلوكيات مثل صعوبة التركيز، و نسيان التفاصيل، وتأجيل المهام غالباً ما تُفهم خطأً في بيئة العمل على أنها عدم التزام، في حين أنها تعبير عن اضطراب يؤثر في التنظيم والانتباه.
ويضيف أن فرط الحساسية تجاه الرفض يُعد من أبرز خصائص المصابين، مما يجعلهم عرضة للتوتر وضعف العلاقات المهنية، رغم امتلاكهم قدرات ابتكارية ملحوظة.
الحياة اليومية.. مرآة لمعاناة صامتة
يُعاني كثير من البالغين المصابين بـADHD اضطرابات في النوم، وعادات غذائية غير مستقرة، وانخفاض الدافعية للأنشطة الاجتماعية، ما يُضعف جودة حياتهم. وقد يمضون سنوات وهم يفسرون معاناتهم كفشل شخصي قبل أن يدركوا حقيقة إصابتهم بالاضطراب.
تحديات التشخيص في مرحلة البلوغ
يُشير الزرعوني إلى أن تأخر التشخيص يقود إلى مشاعر مزمنة من الإحباط وفقدان الثقة، كما أن الأعراض قد تُختلط مع اضطرابات أخرى مثل القلق أو الاكتئاب، مما يعقّد التقييم. ويدعو إلى استخدام أدوات دقيقة تشمل مراجعة تاريخ الفرد الطبي والنفسي منذ الطفولة، لكشف التشخيص الصحيح.
المراهقة.. منعطف خطر في رحلة الاضطراب
في سن المراهقة، تزداد الضغوط وتتشكل ملامح الشخصية، مما يجعل الاضطراب أكثر ظهوراً وتأثيراً. ويتجلى في شكل تراجع دراسي رغم الذكاء، سلوكيات اندفاعية تُفهم على أنها تمرد، وصعوبات اجتماعية تؤدي إلى العزلة وضعف احترام الذات.
الوقاية من المخاطر المصاحبة
يحذر الزرعوني من أن تجاهل الاضطراب قد يقود بعض المراهقين إلى سلوكيات خطيرة مثل تعاطي المواد المنبهة أو المخدرة، في محاولة للهروب من مشاعرهم غير المفهومة. ويؤكد أن التدخل المبكر والدعم الأسري يُشكّلان صمام أمان لهؤلاء الشباب.
العلاج.. توازن بين الدواء والسلوك
العلاج الأمثل يعتمد على الدمج بين الأدوية المحفزة والعلاج السلوكي المعرفي (CBT)، حيث تعمل المحفزات على تحسين التركيز والوظائف الدماغية، فيما يعزز CBT مهارات الحياة مثل إدارة الوقت، وتقليل التشتت، وتحسين القدرة على اتخاذ القرار.
التشخيص.. الخطوة الأولى للتعافي
يشدد الزرعوني على أهمية التمييز بين أعراض ADHD وبين أعراض الاضطرابات النفسية المصاحبة، مشيراً إلى أن تحسين إدارة الاضطراب قد يخفف من الحاجة إلى علاج الاضطرابات الأخرى. كما يؤكد أن توفير بيئة علاجية متفهمة يعزز من فعالية العلاج واستمراريته.
الوعي المجتمعي.. الحلقة المفقودة
من جانبه، يرى الدكتور أحمد فلاح العموش، مدير مركز الموارد لذوي الإعاقة بجامعة الشارقة، أن نقص الوعي المجتمعي حول ADHD لدى البالغين يؤدي إلى العزلة وسوء الفهم، مما يُعمّق مشاعر الإحباط والعجز، رغم أن المصاب قد يزدهر في بيئة مرنة وداعمة.
دور التعليم والإعلام في كسر الصمت
يدعو العموش إلى إدخال مفاهيم التنوع العصبي في المناهج التعليمية، وتدريب المعلمين على فهم اضطرابات مثل ADHD، إضافة إلى إطلاق حملات إعلامية تشرح طبيعة هذا الاضطراب بلغة مبسطة تُزيل وصمة العار وتُعزز التفهم.
نماذج ملهمة وتقبل الذات
يؤكد العموش أهمية إبراز قصص النجاح لمصابين بـADHD، بهدف تحويل نقاط التحدي إلى طاقة إبداع. كما يشدد على ضرورة إنشاء مجموعات دعم، وسنّ سياسات مرنة في المؤسسات تتيح التسهيلات دون تمييز.