اخبار الامارات

“التسوق العاطفي”.. حين تتحول عربة الشراء إلى وسيلة للهروب من الداخل  

في عالم تحكمه الشاشات والعروض الرقمية، يجد كثيرون أنفسهم ينجرفون في دوامة الشراء دون وعي، ليس بدافع الحاجة، بل استجابةً لمشاعر داخلية متقلبة إنه “التسوق العاطفي”، سلوك يبدو بريئاً للوهلة الأولى، لكنه قد يُخفي وراءه اضطرابات نفسية وإدماناً خفياً لا يقل خطورة عن أي إدمان آخر.

الخبراء يحذرون من هذا السلوك، الذي يتفشى بشكل لافت خلال فترات العطلات والمواسم الترويجية، حين تتحول لحظات الحزن أو القلق أو حتى الفرح الزائد إلى محفزات قوية للشراء.

ومن المثير للقلق، أن هذا النمط من الاستهلاك قد يتطور لدى البعض إلى اضطراب قهري يتطلب تدخلاً علاجياً، خصوصاً عند ظهور مؤشرات مثل الشعور بالإلحاح لاقتناء أشياء غير ضرورية، أو اللجوء إلى الشراء كوسيلة للهروب من مشاعر الوحدة أو التوتر، أو حتى الشعور بالذنب بعد كل عملية دفع.

في هذا السياق، تكشف قصص واقعية عن أشخاص لجأوا إلى منصات التسوق الإلكتروني في لحظات ضعف عاطفي. إحدى السيدات، وجدت نفسها تتصفح العروض دون هدف واضح، لتجد أنها أنفقت أكثر من ألف درهم على منتجات لم تكن بحاجتها إطلاقاً.

بينما شابة أخرى اتجهت للتسوق عقب فقدانها وظيفتها، بحثاً عن تعويض نفسي وسط الفوضى التي كانت تعيشها.

أما أحد الرجال، فوقع في فخ الشراء العشوائي خلال إجازته السنوية، فقط ليكسر روتين الفراغ، ليكتشف لاحقاً أنه أنفق آلاف الدراهم على أجهزة لا يستخدمها.

الأطباء المتخصصون يرون أن التسوق العاطفي ليس مجرد عادة، بل سلوك نفسي له جذور عميقة. فهو يرتبط بإفراز هرمون الدوبامين المسؤول عن الشعور بالسعادة، ما يجعل الشراء في لحظته يبدو كمكافأة، حتى لو كان الثمن لاحقاً شعوراً بالندم.

كما يؤكد الأخصائيون أن هذا السلوك يُستخدم للهروب من مشاعر غير مريحة، أو لمنح الذات شعوراً زائفاً بالسيطرة وسط فوضى الحياة.

وفي الوقت الذي تلعب فيه النساء دوراً أكثر بروزاً في هذا النمط من الإنفاق، لا يغيب الرجال عن المشهد. فالنساء غالباً ما يتجهن إلى شراء الملابس ومستحضرات التجميل كوسيلة للتنفيس، فيما يختار الرجال الإلكترونيات أو السيارات لتأكيد الذات أو كسر الملل، وفقاً لخبراء السلوك الاستهلاكي.

الخطير في الأمر أن المتاجر الإلكترونية باتت تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستهلكين بدقة، بل ورصد حالتهم المزاجية من خلال أنماط التصفح، لتوجيه عروض مستهدفة تحاكي مشاعرهم، وتدفعهم دون وعي إلى اتخاذ قرار الشراء، فيما يبدو كتحايل عاطفي أنيق.

من ناحية علاجية، يبرز دور العلاج السلوكي المعرفي في التعامل مع هذا السلوك، حيث يساعد الأفراد على اكتشاف الأفكار غير العقلانية التي تسبق الشراء، واستبدالها بأنماط تفكير أكثر اتزاناً.

وتطرح الأخصائيات النفسيات جملة من الاستراتيجيات الوقائية، من بينها تأخير قرار الشراء ليوم واحد، أو الاعتماد على النقد بدل البطاقات البنكية، أو تدوين المشاعر المرتبطة بكل عملية شراء لتتبع النمط النفسي.

لكنّ الحل لا يقتصر على الفرد وحده، إذ ترى بعض الخبيرات ضرورة أن تلعب الأسرة دوراً داعماً، لا بمواقف توجيهية صارمة، بل بالتفهُّم والحوار.

فالسلوك الاستهلاكي المتكرر قد يخفي وراءه ألماً غير ظاهر، والتعامل معه يجب أن يبدأ من احتواء المشاعر لا إدانة التصرف.

وفي السياق ذاته، يؤكد خبراء التجزئة أن استراتيجيات التسويق الحديثة تستهدف المشاعر بالدرجة الأولى.

من العبارات الترويجية التي تربط السعادة بالشراء، إلى الخصومات الكبيرة التي توهم المستهلك بأنه يربح بينما في الواقع يخسر.

ويلفت البعض إلى أن الشباب، خصوصاً الفتيات، هم الفئة الأكثر تأثراً بهذه الحملات، مطالبين بتعزيز الوعي المالي والنفسي في الحملات التوعوية.

وسط هذا الزخم، قد يبدو من السهل الوقوع في فخ الشراء العاطفي. لكن ما يجب تذكّره دائماً، هو أن الشراء لن يملأ الفراغ الداخلي، ولن يعالج الجرح النفسي وما يُنفق لحظة ضعف، قد يُدفع ثمنه لاحقاً من راحة البال.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى