بيوت متلاصقة في أزقة أنهكها الزمن، شُكلت خريطتها في المنطقة بعرق أجسادٍ لا تعرف من الوقت إلاّ شقاؤه، وتعاني بين رحاه من دوامة عنوانها “أكل العيش”. حيث يبدؤون عهدهم به منذ الصباح، وبصمتٍ مطبق يسيرون كلًا إلى عمله غير آبهين بما حولهم من تطور، فهم مٌكدسين ومحشورين حول ثالوث “مبنى ماسبيرو، ووزارة الخارجية وأبراج شاهقة”، مكتفين بحلمٍ مداه سقف لغرفة واحدة تلملم ما جاد به اليوم من هبات. إلا أنهم أصبحوا حائرين بين البقاء في أرضهم أو إخلائها وسط قرار الحكومة ببدء تطوير المنطقة.
“بولاق مش منطقة دي وطن”، هكذا يصف “عم إبراهيم” قصته عن تطوير مثلث ماسبيرو لـ”مصراوي”. يرى عم إبراهيم، أنها منطقته التي عاش فيها طوال عمره، قبل أن يُكمل قصته بملامح ينهشها الحزن وصوتٍ هزيل: “أنا اتولدت هنا، وبفتخر إنها أرضي وأرض أجدادي اللي هزموا الاحتلال الفرنسي، وعمري ما هسيب المنطقة إلا بتعويض يخليني أعيش زي كل الناس، لأن المنطقة مش تورتاية يقسموها الكبار عليهم واحنا منطولش إلّا القهر والعجز”.
وعن الوعود الحكومية بتعويضات لائقة، أعرب إبراهيم عن رفضه لها كحال الجميع من الأهالي: “قيمة التعويضات ضئيله جدًا، والبدائل كلها مرفوضة، ومش عارف ليه الحكومة مش بتجيب من الآخر وتدفع التعويض المناسب واللائق بكرامة المواطنين في سكن مناسب والمثلث هيفضى في 24 ساعة وحلال عليهم المثلث”؟
وذهب النائب عبدالوهاب خليل، وكيل لجنة الإسكان والمرافق بالبرلمان، إلى قيام أحد النواب بتقديم طلب إحاطة بشكوى أهالي ماسبيرو، لافتًا إلى أنه سوف يكون له الأولوية لادراجه ضمن طلبات اللجنة، وسيتم البت فيه.
واستطرد خليل: “سوف يتم دراسة وجهة نظر الأهالي، ووجهة نظر الحكومة على الجانب الآخر، وسنكون الحكم بين الدولة والأهالي، فالهدف من المجلس تشكيل توازن بين طلبات المواطنين وبين الدولة لتحقيق الصالح العام”.
كرد فعل على قرار إسماعيل، بدأ أهالي مثلث ماسبيرو، جمع توقيعات رافضة للبدائل المطروحة باستمارة الرغبات المقدمة لهم من قبل وزارة الإسكان وصندوق تطوير العشوائيات، بدعوى أن القيمة المطروحة لا تتناسب مع الظروف الإجتماعية والاقتصادية لأغلبية سكان المنطقة، مؤكدين على موافقتهم لعملية التطوير مع المطالبة بتعديل القيم الإيجارية والأقساط التمكلية للوحدات السكنية داخل المنطقة بعد التطوير، لتكون مناسبة للجميع.
“تطوير مثلث ماسبيرو أمر قديم منذ قبل ثورة يناير، وهو مطروح على أجندة جمال مبارك في مخطط القاهرة 2050، لكن لم يكن مخططًا لسكان المنطقة الحصول على وحدات مخصصة لهم بعد التطوير، يقول مصباح حسن، المتحدث باسم رابطة أهالي مثلث ماسبيرو.
وأضاف حسن، أن الأمر اختلف بعد الثورة، حيث أنهم تظاهروا وطالبوا بالتطوير عندما انهار أحد منازل السكان، وتلقوا وعود كثيرة من حكومة رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، منها إنشاء شريط سكاني بقيمة إيجارية 350 جنيه، لحين جرى ما جرى ووصل يوم 11 مارس الماضي للاجتماع مع أحمد درويش نائب وزير السكان للتطوير الحضري والعشوائيات، حيث حصلوا على استمارة رغبات حوت بدائل لكل ساكن.
وعن البدائل، يشير حسن إلى أنها تمثلت في: من يسكن في غرفة يحصل على 60 ألف جنيهًا، أو وحدة بديلة في منطقة الأسمرات، تكون أول سنة مجانية، وفي السنة الثانية يقوم بدفع مبلغ 300 جنيه، يزيد 5% كل سنة، وتلك التعويضات لمن يوافقوا على الخروج من المنطقة، ونيل تعويض مادي.
وتابع: “أما بالنسبة لمن سيظل في المنطقة، فسوف يخرج منها لمدة 3 سنين وهي فترة الإنشاء، ويكون أمامه خيارين، الحصول على شقة مؤقتة تتبع وزارة الإسكان في مدينة السادس من أكتوبر أو مدينة بدر، حتى انتهاء المشروع ويقوم بالعودة للمنطقة مرة أخرى، أو الحصول على مبلغ 1000 جنيه إيجار من الدولة للتأجير في أي مكان يختاره”.
وأوضح أن هدف الأهالي من التطوير هو أن يكون لهم جزء مخصص للسكن، بشرطين، قيمة إيجارية مناسبة تساوي 350 جنيه بعد التطوير، وإخلاء جزئي للسكان، لنقل السكان على المراحل”، مضيفًا: “وهو ما لم نجده في الاستمارة الجديدة، لذا رفضنا البنود التي خلت من شرط مهم وهو أن يكون القسط التمليكي مناسب بشكل يضاهي قسط التمليك للإسكان الاجتماعي الخاص بالدولة، مع ضرورة أن يكون الإخلاء الكلي والنقل في مساكن مطار امبابة وأن يكون سكن مؤقت، مع وجود عقد موثق من الشهر العقاري بين المواطن والدولة يضمن عودته مرة أخرى للمثلث بعد التطوير، ويحوي شرط جزائي، هكذا أشار حسن إلى الحلول التي وافق عليها أهل المنطقة كجزء من حل الأزمة”.
وأشار إلى أنهم جمعوا التوقيعات بهدف مخاطبة أعضاء مجلس النواب، ورفع القضايا، لافتًا إلى أن بعضهم سوف يقوم بإرسال تلك التوقيعات إلى رئاسة الجمهورية للبت في الأزمة وحلها.
اللواء إبراهيم عبد الهادي، رئيس حي بولاق أبو العلا قال “شكلنا لجنة لتجميع رغبات الأهالي، وصلنا إلى 1500 أسرة عبرت عن رأيها من خلال الرغبات والاستمارة المخصصة للبدائل، والتعويض المالي هو المستولى على 90% من الرغبات إلى الآن”.
وأضاف: “الأهالي طالبوا بتعويض بين 40 إلى 60 ألف انتقالات للغرفة الواحدة، وسوف نقوم بجمع الرغبات في نهاية الشهر ونبحث الطلبات، ومن سيتسلم التعويض سوف يقوم بالإخلاء بشكل فوري، ومن يوافق على الإيجار أو التمليك في المكان فسوف يحصل عليها بعد 3 سنين بقيمة متفق عليها سلفًا”.
ووصف عبد الهادي، من يجمعون توقيعات مضادة لرفضهم قيمة التعويضات، بأنهم رابطة ليس لها صفة ويحاولن إثارة وزوبعة الرأي العام، وتساءل: “لو هناك رفض فكيف وافقت 1500 أسرة من إجمالي 4500 في منطقة ماسبيرو وأمامنا مهلة أسبوع للتسجيل، ولو تبقى 100 شخص أو أقل فليس لهم قيمة”.
ورد المتحدث باسم رابطة أهالى مثلث ماسبيرو، وقال: “كل ما يقال أننا قلة ونبحث عن رفع قيمة التعويض الماضي كوسيلة ضغط أمر عارٍ من الصحة، فالجميع يوافق على التطوير، ولكن لا يستطيعون دفع الإيجارالذي قررته الحكومة.
المهندس خالد صديق، المدير التنفيذي لصندوق تطوير المناطق العشوائية، أعلن عن 5 بدائل لأهالي مثلث ماسبيرو، وهي السكن بإيجار أو تمليك طويل المدى، أو دفع قيمة الوحدة بشكل سريع، أو التعويض المادي، أو السكن في منطقة الأسمرات، مشيرًا إلى أن التطوير الفعلي للمشروع سيبدأ فور البت في حصر رغبات الأهالي.
وأكد: “نطالب الأهالي تسجيل رغباتهم سواء بقوا في المنطقة أو تركوها والانتقال لمكان آخر، ولو فكر البعض في إيجاد بديل لن يستطيع، لأننا اعتمدنا في دراستنا على دعم الحكومة لتلك البدائل، وتوفير شقة في ماسبيرو بإيجار 1000 جنيه للأهالي فهي قيمة تناسب ما بعد التطوير، وهي منطقة تجارية وبجوار النيل وأي منطقة أخرى تحوي شققًا بقيمة 5 آلاف جنيه، فهل 600 إلى 1000 جنيه رقم كبير؟.
واستطرد: “لا نغلق أي باب مقابل لدراسة حالات الناس، والحكومة تحمل على عاتقها المواطن، وهدفنا إعطاء السكان ما يسعدهم، والمطالبة بقيمة إيجارية أقل من الفعلية بعد التطوير هو عوار للمنظومة ونحن نحاول البحث عن حلول مرضية لجميع الأطراف”.
ونفى صديق اتهام الحكومة بتسليم المنطقة لمستثمرين لاستغلالها في إقامة منطقة تجارية، وقال: “هذا أمرٍ عارٍ من الصحة، ونحن كدولة لا نمتلك من الأرض سوى 13 % فقط، ونفاوض المستثمرين من أجل أن يسمحوا باستقطاع جزء مما يملكونه لتسكين الأهالي، ونتكبد عناء التعويض والتنسيق من أجل المواطن”.
ووافقت الحكومة، السبت، على البدء فى تنفيذ مشروع إعادة تخطيط منطقة مثلث ماسبيرو، والذي تصل تكلفته الإجمالية حوالي 4 مليار جنيه، خلال اجتماعه بالمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، بحضور وزريريّ الإسكان، والتنمية المحلية.