اخبار الامارات

عالم “الترند” يهدد كرامة المرضى.. مقاطع مؤلمة تكشف استغلالًا رقميًا تحت غطاء التعاطف

في مشهد بات يتكرر على منصات التواصل الاجتماعي، تَحوّلت حالات مرضية مؤثرة إلى محتوى رقمي، يكشف حجم الانتهاك الذي قد يتعرض له المرضى، خصوصًا من فاقدي الأهلية أو أصحاب الهمم، دون أي مراعاة لمشاعرهم أو حقهم في الخصوصية.

كاميرا الهاتف باتت تُلاحق لحظات الألم والضعف، فقد تداول رواد المنصات مقاطع تظهر مرضى في أوضاع حرجة، مثل أحد الآباء المصابين بالزهايمر، وهو يتحدث بكلمات مشتتة أمام الكاميرا، بينما يطلب ابنه من المتابعين الدعاء له، دون أن يُخفي ملامحه أو يصون خصوصيته.

لم تتوقف الظاهرة عند ذلك، إذ نشر آخر مشاهد لصديقه المصاب بمرض جيني نادر، توثق مراحل تدهور حالته، بينما استخدم آخر شقيقته من أصحاب الهمم في مقاطع ترفيهية، لاقت سخرية من المتابعين، بدلاً من الدعم.

أطباء واختصاصيون في الصحة النفسية دقّوا ناقوس الخطر، محذرين من أن هذه السلوكيات تمثل انتهاكاً مباشراً للكرامة الإنسانية، وقد تترك أثراً نفسياً مدمراً لدى المرضى، خاصة أولئك الذين لا يدركون ما يُنشر عنهم، ولا يستطيعون التعبير عن الرفض أو الانزعاج.

من جانبها، أوضحت الدكتورة رحاب يوسف السعدي، أن نشر لقطات لمرضى في حالات ضعف، خصوصاً كبار السن، يهدد الاستقرار النفسي داخل الأسرة، ويُضعف الشعور بالأمان، مشيرة إلى أن هذه التصرفات تُولد لديهم مشاعر العزلة والإحراج، وتمنع اندماجهم في المجتمع بصورة طبيعية.

وفي تعقيب على الظاهرة، شدد الدكتور رياض خضير على أن نشر مثل هذه المقاطع بدعوى التوعية أو طلب الدعاء قد يبدو بريئاً، لكنه يحمل في طياته استغلالاً عاطفياً، ويُسهم في تأصيل وصمة اجتماعية تجاه المرضى، خصوصاً الأطفال والمراهقين الذين قد يشعرون بالخجل والخذلان لاحقاً عند علمهم بأن لحظات ضعفهم باتت مادة مرئية للغرباء.

أما الدكتورة أمل أبوالعلا، فقد وصفت ما يحدث بأنه إساءة نفسية مقنّعة، مؤكدة أن المرضى قد لا يدركون خطورة ما يُبث عنهم، لكنهم يشعرون بالألم حين يُعرضون في مقاطع تُظهر ضعفهم، ما يؤدي إلى فقدانهم الثقة بمن حولهم.

قانونياً، أكد الدكتور يوسف الشريف أن القانون الإماراتي يجرّم تصوير أو نشر أي محتوى يتعلق بكبار السن أو فاقدي الأهلية دون إذن منهم، ويضع عقوبات صارمة قد تصل إلى الحبس والغرامة، تصل حتى نصف مليون درهم، مشيراً إلى أن الهدف من هذه القوانين هو صون كرامة الإنسان في كل حالاته.

وفي السياق ذاته، شدد المحامي علي مصبح على أن الحق في الخصوصية لا يسقط مع تقدم السن أو تدهور الإدراك، وأن تصوير لحظات ضعف المريض ونشرها دون وعي يمثل تعديًا صريحًا، يجب أن يُقابل بردع قانوني ومجتمعي واضح.

من جانبهم، دعا أعضاء في المجلس الوطني الاتحادي، مثل محمد الظهوري ومنى طحنون، إلى ضرورة تنظيم المحتوى المرتبط بالمرضى، عبر أطر قانونية واضحة تضمن احترام الكرامة الإنسانية، مشيرين إلى أن النيات مهما كانت طيبة لا تُبرر انتهاك خصوصية إنسان يمر بمرحلة مرض وضعف.

وفي نهاية المطاف، تبقى الرسالة واضحة: الإنسان ليس وسيلة للترند، وكرامته فوق كل محتوى.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى