منوعات

اكتئاب ما بعد الولادة..مرض صامت يهدد الأم والرضيع ودعم الأسرة هو طوق النجاة

حذّر أطباء وخبراء من مخاطر تجاهل التغيرات النفسية التي قد تمر بها الأمهات عقب الولادة، مشيرين إلى أن اكتئاب وذهان ما بعد الولادة يمثلان خطرين حقيقيين لا يجب الاستهانة بهما، خاصة إذا صاحبهما مشاعر إيذاء النفس أو الطفل، مؤكدين أن الذهان يعد من الحالات النادرة لكنه الأخطر، إذ يصل الأمر إلى فقدان الأم اتصالها بالواقع وظهور هلوسات وأفكار غير منطقية تهدد سلامتها وسلامة الرضيع.

وأوضح متخصصون في تصريحات صحفية، أن هذه الحالة النفسية لا تؤثر فقط على الأم، بل تلقي بظلالها على الرضيع أيضاً، من خلال تعطيل الرابط العاطفي الطبيعي الذي يُبنى بين الأم وطفلها، وهو ما قد ينعكس سلباً على النمو النفسي والاجتماعي للطفل ويعرّضه لمشكلات مستقبلية مثل ضعف التركيز وصعوبة التفاعل الاجتماعي وتدنّي التحصيل الدراسي.

وبيّن الأطباء ضرورة التفرقة بين الحالة النفسية العابرة التي تصيب معظم الأمهات في الأيام الأولى بعد الولادة، والمعروفة بـ«الكآبة النفاسية»، واكتئاب ما بعد الولادة الذي يستدعي تدخلاً فورياً، حيث حددوا ستة مؤشرات خطرة لهذا الاكتئاب، هي الحزن المستمر، البكاء المفاجئ، فقدان الرغبة في القيام بالأنشطة اليومية، اضطرابات في النوم أو الشهية، صعوبة التواصل مع الطفل، وأفكار إيذاء النفس أو الرضيع.

كما أكدوا وجود علامات مقلقة على الرضيع ذاته، مثل ضعف التفاعل البصري وتأخر الابتسام واضطرابات النوم، تستوجب المتابعة الطبية.

وفي ظل هذه التحديات، اقترح الأطباء مجموعة حلول حديثة لدعم الأمهات، تشمل منصات رقمية لمتابعة الصحة النفسية، تطبيقات ذكاء اصطناعي تقدم استشارات فورية، جلسات علاج نفسي عن بُعد، وأدوات منزلية تساعد في تخفيف التوتر كتمارين التنفس، مشددين على أهمية دور الأسرة في تقديم الدعم والرعاية، خاصة في المراحل المبكرة من ظهور الأعراض.

قصص واقعية مؤثرة

روت إحدى الأمهات تجربتها الصعبة مع اكتئاب ما بعد الولادة قائلة إنها بدأت تشعر بالخوف والقلق المفرط بعد أسبوع من إنجاب طفلها الثاني، تزامناً مع الإرهاق وقلة النوم وضغوط استقبال الزوار، حتى بدأت تراودها أفكار غريبة بأنها ستفقد أطفالها، رغم إدراكها أن هذه المشاعر غير مبررة.

وأضافت أنها دخلت في نوبات من البكاء والهستيريا، وشعرت بالعجز التام عن التحكم في تصرفاتها، ما دفع زوجها ووالدتها للتدخل وتقديم الدعم، حيث أخذ زوجها إجازة من عمله ووفّر لها الرعاية اللازمة، ومع مرور الوقت بدأت حالتها تتحسن تدريجياً.

أما «م. أ»، فوصفت شعورها بالاغتراب العاطفي عن طفلها بعد الولادة، وقالت إنها كانت تبتسم للآخرين، لكنها عاجزة عن التعبير عن حبها لطفلها، وكانت غارقة في مشاعر الذنب وعدم الاستحقاق، إلى أن لاحظ زوجها معاناتها، وأصرّ على الذهاب بها إلى مختص نفسي، لتبدأ رحلة العلاج التي ساعدتها على استعادة توازنها العاطفي والاقتراب مجدداً من طفلها.

مخاطر الذهان وتغيرات الهرمونات

وأشار استشاري النساء والتوليد، الدكتور مجاهد حمامي، إلى أن اكتئاب وذهان ما بعد الولادة يرتبطان بالتغيرات الهرمونية الكبيرة التي تحدث بعد الولادة، ما يؤدي إلى تقلبات في الحالة النفسية، لافتاً إلى أن الولادة القيصرية أو أي مضاعفات أثناء الولادة يمكن أن تضاعف مشاعر الإحباط أو فقدان السيطرة، ما يزيد من فرص ظهور الأعراض النفسية.

ودعا حمامي الأطباء إلى ضرورة رصد الحالة النفسية للأمهات أثناء وبعد الحمل، وإحالة الحالات المشتبه بها إلى متخصصي الصحة النفسية لتلقي الرعاية المناسبة قبل تفاقم الحالة.

تأثير الاكتئاب على الرضيع

من جانبه، أوضح استشاري الطب النفسي، الدكتور منصور عساف، أن اكتئاب الأم يعطل عملية التفاعل الطبيعي مع الرضيع، ما يؤدي إلى خلل في بناء الثقة والأمان لديه، وهو ما يشكل أساساً لنموه النفسي والاجتماعي.

وأضاف أن العلامات المبكرة على الرضيع تشمل ضعف التفاعل البصري وتأخر الابتسام واضطرابات في النوم، وهي مؤشرات تستدعي التدخل، داعياً الآباء والأسر إلى مراقبة التغيرات السلوكية لدى الطفل، وتقديم الدعم النفسي للأم في آن واحد.

علاج وقائي ودعم أسري

شدد عساف على أن العلاج النفسي والدعم العاطفي من الزوج والأسرة يمثلان حجر الأساس في التعافي، محذراً من تجاهل الأعراض أو التقليل من معاناة الأم، كما دعا إلى الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي وبرامج المتابعة النفسية الحديثة، التي يمكن أن تساعد في الكشف المبكر عن الأعراض وتقديم المشورة الفورية.

وبيّن أن مدة الشفاء تختلف بحسب شدة الحالة، وتتراوح بين أسابيع إلى أشهر، وقد تستمر لفترات أطول إذا لم يتم التدخل في الوقت المناسب.

التفرقة بين الكآبة العادية والاكتئاب الحقيقي

وأكد أخصائي الطب النفسي، الدكتور شاجو جورج، ضرورة التمييز بين الكآبة النفسية العابرة، التي تزول خلال أسبوعين بعد الولادة، واكتئاب ما بعد الولادة الذي يؤثر بشكل أعمق على الأم والطفل ويستمر لفترات طويلة إذا لم يتم علاجه.

وأشار إلى أن الأمهات اللواتي لديهن تاريخ سابق مع اضطرابات القلق أو الاكتئاب هن الأكثر عرضة، وأن العوامل الاجتماعية والنفسية تلعب دوراً كبيراً في ظهور الحالة، داعياً إلى عدم الاستهانة بمشاعر الأم أو اعتبارها جزءاً طبيعياً من تجربة الأمومة، بل ينبغي طلب المساعدة الطبية فوراً لضمان سلامة الأم والطفل معاً.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى