منوعات

أطفال الشاشات..أزمة نظر تتفاقم وتحذيرات طبية من تجاهل الفحص المبكر

وسط الطفرة الرقمية والتعلق المفرط بالأجهزة الذكية، يحذر الأطباء من تزايد معدلات ضعف البصر وقصر النظر بين الأطفال، مشيرين إلى أن الاستخدام الطويل للشاشات أصبح عاملاً مباشراً في تدهور صحة العيون في سن مبكرة.

ويؤكد اختصاصيون أن إهمال الفحص البصري خلال السنوات الأولى من حياة الطفل قد يؤدي إلى مشكلات مزمنة، مثل كسل العين أو الحَوَل الدائم، مشددين على ضرورة إجراء أول فحص بين عمر ستة أشهر وسنة، ثم عند سن ثلاث سنوات، ومرة أخرى عند دخول المدرسة، مع متابعة سنوية للأطفال المعرضين للخطر أو ممن لديهم تاريخ عائلي مع أمراض العيون.

وتوضح الدكتورة حنان علي محمد، أخصائية طب العيون، أن نمط الحياة الحديث، المتمثل في الاعتماد الكثيف على الشاشات، ساهم بشكل ملحوظ في زيادة حالات قصر النظر لدى الأطفال، موضحة أن التركيز المستمر على الرؤية القريبة يعزز من هذه الاضطرابات.

وتشير إلى علامات تدق ناقوس الخطر، مثل فرك العينين باستمرار، الشكوى من الصداع، كثرة الدموع، تقريب الأشياء للرؤية، ظهور الحَوَل، أو ميل الطفل إلى لف رأسه عند التركيز، ما يستدعي زيارة فورية لطبيب العيون المختص.

وعن الأساليب العلاجية، تبيّن أن النظارات الطبية، والعدسات اللاصقة، وتمارين العين، وقطرات الأتروبين بتركيزات منخفضة، جميعها خيارات فعّالة، مشيرة إلى إمكانية التدخل الجراحي في حالات الحَوَل أو الانحراف الشديد، مع إمكانية تحسّن بعض الحالات دون حاجة إلى استخدام نظارات دائمة.

من جانبه، يرى الدكتور محمود حامد السنباوي، أخصائي طب وجراحة العيون، أن المسؤولية تبدأ من الأسرة، التي يقع على عاتقها تنظيم استخدام الأطفال للأجهزة الذكية، ووضع قواعد للراحة المنتظمة والأنشطة البدنية، لا سيما اللعب في الهواء الطلق الذي أثبت فاعلية كبيرة في تقليل تطور قصر النظر.

ويحث على تطبيق قاعدة “20-20-20” التي تنص على أخذ استراحة كل 20 دقيقة، عبر النظر إلى جسم يبعد 20 قدماً نحو 6 أمتار لمدة 20 ثانية، ما يخفف من إجهاد العينين الناتج عن الاستخدام المتواصل للشاشات، إضافة إلى أهمية الإضاءة المتوازنة وتعديل سطوع الأجهزة.

وفي السياق ذاته، يوضح الدكتور سومر درويش، أخصائي وجراح العيون والقرنية والشبكية، أن مصطلح «الإجهاد البصري الرقمي» بات من الظواهر الشائعة، ويشمل جفاف العين، وعدم وضوح الرؤية، والصداع، مشدداً على أن التعرض الطويل للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات قد يؤثر سلباً في جودة النوم وربما صحة الشبكية مستقبلاً.

ويضيف أن الفئة العمرية ما بين 7 إلى 15 عاماً هي الأكثر عرضة لهذه المشكلات، داعياً إلى دور فعال للمدارس من خلال برامج توعوية متخصصة وتضمين مفاهيم الوقاية البصرية ضمن المناهج، لغرس ثقافة العناية بالعين في نفوس الطلاب والمعلمين على حد سواء.

ويحذر درويش من إجراء عمليات الليزك التصحيحية قبل سن 18 عاماً، موضحاً أن عدم استقرار النظر في هذه المرحلة العمرية يجعل هذه العمليات غير مضمونة النتائج، بل قد تعود بنتائج عكسية على المدى الطويل.

وفي ختام التحذيرات الطبية، يشدد الخبراء على أهمية إطلاق حملات توعية مجتمعية تحدد ضوابط لاستخدام الشاشات للأطفال حسب أعمارهم، وتشجع على ممارسة الأنشطة الخارجية، وتدعم إدخال الفحص البصري المنتظم في منظومة المدارس لضمان الاكتشاف المبكر لأي مشكلة في الإبصار.

أزمة عالمية متنامية

لم تعد مشكلة قصر النظر بين الأطفال مقتصرة على نطاق ضيق، إذ تكشف الإحصاءات أن طفلاً واحداً من بين كل ثلاثة يعاني من هذا الاضطراب، مع ارتفاع ملحوظ من 24% عام 1990 إلى 36% في 2023، ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 40% بحلول 2050، أي ما يزيد على 740 مليون طفل حول العالم، مع تسجيل أعلى نسب الإصابة في دول شرق آسيا (70-90%).

ويؤكد المختصون أن نحو 90% من حالات ضعف البصر عند الأطفال يمكن معالجتها أو تحسينها عبر تدخلات مبكرة، ما يستدعي تعزيز وعي المجتمع، وضرورة الموازنة بين استخدام التكنولوجيا وممارسة أنشطة الحياة الطبيعية لضمان جيل يتمتع ببصر سليم.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى