
الطبيب والذكاء الاصطناعي: شراكة تشخيصية تعيد تشكيل مستقبل الرعاية الصحية
في زمن تتسارع فيه الابتكارات، تبرز التقنيات الذكية في قلب قطاع الصحة، وتحديداً الذكاء الاصطناعي الذي بات يُحدث تحولاً جذرياً في التشخيص والعلاج.
ورغم ما يُقال عن تفوقه، يؤكد خبراء الطب والتكنولوجيا أن الذكاء الاصطناعي لا يُلغي دور الأطباء، بل يتحول إلى شريك ذكي يدعمهم بقرارات دقيقة في محطات حرجة، لاسيما في الجراحات المعقدة والأمراض النادرة.
وبات من الممكن اليوم بفضل تقنيات التعلم الآلي والتعلم العميق تحليل صور الأشعة والبيانات الجينية بطريقة متقدمة، واستخدام خوارزميات التنبؤ لاكتشاف الأمراض في مراحلها الأولى، وهو ما ينعكس على دقة التشخيص، وتخفيض معدلات الخطأ، وتسريع الإجراءات العلاجية.
وعلى أرض الواقع، يشهد القطاع الصحي طفرة في استخدام الذكاء الاصطناعي، بحسب ما أوضحه أطباء ومسؤولون، إذ تتيح هذه التقنيات تحليل كميات ضخمة من المعلومات خلال فترات زمنية قصيرة، ما يساهم في اقتراح خطط علاجية أكثر فاعلية، ويقلل من الإجراءات غير الضرورية، ويوفر الموارد الصحية.
الدكتورة أسماء المناعي، المديرة التنفيذية لمركز الأبحاث والابتكار في دائرة الصحة بأبوظبي، بيّنت أن أبوظبي تقود حالياً تحولاً حقيقياً في الرعاية الصحية، مدعومة بمنصات مثل “ملفي” وبرنامج الجينوم الإماراتي، مما يعزز الانتقال من مرحلة “علاج المرض” إلى مرحلة “الوقاية المسبقة”.
وأكدت أن الذكاء الاصطناعي بات أداة لا غنى عنها لتسريع التشخيص والحد من المضاعفات، داعية إلى الاستثمار في التعليم الطبي الحديث، ودمج الذكاء الاصطناعي في مناهج الطب والصحة.
وبخصوص الجدل حول مستقبل الأطباء في ظل انتشار الذكاء الاصطناعي، شددت المناعي على أن الطبيب سيبقى العنصر الحاسم في اتخاذ القرار، لكنه بحاجة إلى أدوات ذكية تدعمه في تقديم أفضل رعاية ممكنة.
وأشارت إلى أن أغلب المستشفيات بدأت فعلياً في تطبيق أنظمة متقدمة مثل الصيدليات الذكية، وقراءة الأشعة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ما يبشر بمستشفيات أكثر ذكاءً في المستقبل القريب.
وفي سياق متصل، يرى البروفيسور أيمن الحطاب، استشاري الجينات الوراثية ومدير مركز الأمراض النادرة، أن الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً جوهرياً في تشخيص الأمراض النادرة، خاصة مع وجود أكثر من 10 آلاف مرض نادر تؤثر في نحو 5% إلى 10% من سكان العالم. ويكمن دوره في ترشيح احتمالات الأمراض بناءً على الأعراض، ليكمل الطبيب بعدها سلسلة الفحوص اللازمة.
وأكد الحطاب أهمية فحوص ما قبل الزواج للكشف عن الأمراض الوراثية المتنحية التي تنتقل من الأبوين، مشدداً على ضرورة تكامل الذكاء الاصطناعي مع الخبرة البشرية، لا أن يحل محلها.
وفي ميدان التشخيص، أوضح عدد من الأطباء أن الذكاء الاصطناعي يتفوق في تحليل الأشعة مثل الرنين المغناطيسي والأشعة السينية، وفهم تحاليل الدم، وربط الأعراض الطبية بقواعد بيانات ضخمة للكشف المبكر عن الأمراض.
كما يلعب دوراً حاسماً في الجراحة باستخدام الروبوتات الطبية الدقيقة، ما يقلل نسبة الخطأ، ويُسرّع من عملية الشفاء.
ويُعزى تفوق هذه التقنيات إلى امتلاكها قدرة تحليل الملايين من السجلات الطبية خلال ثوانٍ، وتحديد أنماط خفية لا يمكن للطبيب ملاحظتها بسهولة، دون أن تتأثر بعوامل مثل الإرهاق أو التحيز.
من جهة أخرى، كشف أطباء آخرون أن المستشفيات في الإمارات بدأت في اعتماد تقنيات مثل أنظمة مراقبة المرضى عن بُعد، والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وأدوات سمعية وبصرية متطورة، مما يضمن استجابة فورية في الحالات الطارئة.
أما في مجال السكتات الدماغية، فيُستخدم الذكاء الاصطناعي لقراءة الصور ثلاثية الأبعاد بدقة متناهية، ما يتيح البدء الفوري في العلاج دون الحاجة إلى التصوير المقطعي التقليدي.
كذلك، أصبح من الممكن تعديل جرعات الإشعاع لمرضى السرطان بناءً على وضع الأعضاء الداخلية، بما يضمن تقليل الضرر على الأنسجة السليمة.
ويُسهم الذكاء الاصطناعي أيضاً في تحسين دقة التشخيص لمرضى السل، حيث كشفت البيانات أن نسبة الأخطاء في الفحوص المدعومة به انخفضت إلى 0.26%، ما يُعدّ قفزة نوعية في مجال الصحة العامة.
ومن أجل تعزيز التكامل بين الأطباء والتقنيات الذكية، شدد مختصون على أهمية تطوير مهارات الأطباء، وتعليمهم كيفية استخدام هذه الأدوات بفعالية، مع ضمان أن يكون الطبيب هو صاحب الكلمة الأخيرة في التشخيص والعلاج.
وتجسيداً لهذا التوجه، أنشأت دائرة الصحة في أبوظبي “أكاديمية الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية” في مايو 2024، والتي استقطبت أكثر من 3750 متخصصاً حتى يناير 2025.
وتُقدّم الأكاديمية تدريبات شاملة في مجالات متعددة، مثل الأشعة، وأمراض القلب، وتحليل البيانات الطبية.
ويطمح القائمون على هذه المبادرات إلى تطوير بيئة صحية ذكية قائمة على الابتكار، والتكامل بين العقل البشري والتقنية، بما يعزز من جودة الرعاية ويضع الإمارات في صدارة الدول الرائدة في توظيف الذكاء الاصطناعي في الطب.