علاجات زائفة لأطفال التوحد..حين يتحول الأمل إلى خطر صامت
في الآونة الأخيرة، باتت شبكات التواصل الاجتماعي تعج بإعلانات تزعم امتلاك حلولٍ شافية لاضطراب طيف التوحد، متجاوزة بذلك كل الأسس العلمية.
يروّج البعض لمنتجات عشبية ووصفات تقليدية وأدوية مجهولة المصدر، مدعين قدرتها على “علاج التوحد نهائياً”، ما دفع مختصين إلى دق ناقوس الخطر حول تداعيات هذه الممارسات على صحة الأطفال.
وقد شدد الأطباء على أن هذه الادعاءات لا تفتقر فقط للمصداقية، بل تمثل تهديداً مباشراً لحياة الطفل، محذرين من التهاون في الأمر، خصوصاً أن كثيراً من هذه العلاجات تسببت في مضاعفات صحية ونفسية خطيرة. الحل الوحيد الآمن، وفق تأكيداتهم، يتمثل في التدخل المبكر المبني على أسس علمية، والدعم الأسري المستمر.
من جانبها، نبهت مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم إلى خطورة اتباع أي علاج لم يُعتمد من الجهات المختصة، مشددة على أهمية الالتزام بالإجراءات الرسمية لضمان سلامة الأطفال.
وتحدث الدكتور هاني الهنداوي، أخصائي طب الأطفال، عن خطورة هذه المنتجات المتداولة عبر الإنترنت، مؤكداً أن بعضها تسبب فعلياً في حالات تدهور صحي لأطفال بسبب الاستخدام غير الآمن.
وفي ظل معاناة بعض الأسر من صعوبة الوصول للعلاج أو ارتفاع تكلفته، أوضح الدكتور عماد فرج، استشاري الطب النفسي للأطفال، أن الكثير من الأهل يلجأون للإنترنت طلباً للمساعدة، لكنهم يُستدرجون بوعود “العلاج المعجزة”. ورغم أن هذه القرارات تنبع من حب الأهل وخوفهم، فإن نتائجها قد تكون كارثية إذا استُبدلت العلاجات العلمية بأخرى وهمية.
وأضاف فرج أن بعض هذه “العلاجات” تحتوي على مواد خطرة كيميائية مثل مركبات الـMMS، أو أدوية إزالة المعادن الثقيلة دون إشراف طبي، مما قد يؤدي إلى فشل كلوي أو كبدي، ونوبات صرع، بل وحتى الوفاة. ولفت إلى أن اتباع حميات غذائية صارمة دون إشراف مختص قد يتسبب في سوء تغذية لدى الأطفال، ويؤثر سلباً على نموهم وتطورهم.
وأكد أن مثل هذه الإجراءات غير المدروسة قد تؤدي إلى تراجع الطفل نفسياً وسلوكياً، خاصة إذا مورست عليه تدخلات مؤلمة دون فهمه لها أو رضاه، ما يخلق لديه شعوراً بالرفض وانعدام الثقة.
مديرة مركز الإمارات للتوحد، أمل جلال صبري، أوضحت أن كثيراً من الحالات التي استقبلها المركز عانت من انتكاسات بعد استخدام “علاجات وهمية” تم الترويج لها على أنها فعالة.
وشددت على ضرورة عدم الانجراف خلف أي إعلان يَعِد بالشفاء، موضحة أن التوحد ليس مرضاً للشفاء بل حالة قابلة للتحسن عبر برامج سلوكية مثبتة علمياً.
أما أخصائية الدمج زينب خلفان، فبيّنت أن لا وجود لبرنامج علاجي “نهائي” للتوحد، بل توجد تدخلات تربوية وسلوكية تُحدث فرقاً ملموساً إذا استُخدمت بشكل صحيح وفي وقت مبكر.
ولم يغفل المختصون الإشارة إلى بعض العيادات الخارجية التي تستغل حاجة الأسر وتروّج لعلاجات لا تستند إلا لدراسات محدودة، مشيرين إلى أن غالبية الضحايا في هذه الحالات هن الأمهات، لما يحمله قلب الأم من شوق لرؤية تحسن طفلها بأي وسيلة كانت.
واختتم الدكتور عماد فرج بالتأكيد على أن العائلات التي ترعى أطفالاً مصابين بالتوحد تواجه أعباءً نفسية وعاطفية كبيرة، ما يستدعي توفير دعم شامل لا يقتصر على الجانب العلاجي، بل يمتد ليشمل الدعم المجتمعي والنفسي، لأن استقرار الأهل هو المفتاح لنمو الأطفال بثقة وأمان.